الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزحف بهم إلى المدينة، وأخرج منها بنى حسين وملكها، وجمع بين الحرمين. وأن ولايته كانت ثلاثا وثلاثين سنة.
ووقع فى النسخة التى رأيتها من تاريخ شيخنا ابن خلدون فى نسب ابن أبى هاشم ـ هذا ـ: سقط وتخبيط فى نسبه؛ لأنه أسقط بين جعفر، وأبى هاشم محمد بن عبد الله، وصحف الحسين والد أبى هاشم بالحسن. والصواب ما ذكرناه. والله أعلم.
129 ـ محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علىّ بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب العلوى، الملقب بالديباجة:
له رواية عن أبيه. وروى: عنه إبراهيم بن المنذر، ومحمد بن يحيى بن أبى عمر العدنى، ويعقوب بن حميد بن كاسب. وكان بطلا شجاعا عاقلا، يصوم يوما ويفطر يوما.
وكان العلويون بايعوه بمكة أيام المأمون، وذلك فى يوم الجمعة فى ربيع الأول سنة مائتين، بعد إبائه لذلك.
وجمع الناس لبيعته، طوعا وكرها، ابنه على بن محمد بن جعفر، وحسين بن حسن الأفطس لما بلغه موت أبى السرايا، الذى أنفذ الحسين إلى مكة للاستيلاء عليها.
ولم يكن لمحمد بن جعفر هذا مع ابنه على والحسين والأفطس من الأمر شئ. وسار ابنه على والحسين وجماعتهم بمكة، أقبح سيرة، بحيث وثب على بن محمد بن جعفر على غلام أمرد، وهو ابن قاضى مكة، يقال له: إسحاق بن محمد، وكان جميلا، فأخذه قهرا.
فلما رأى ذلك أهل مكة ومن بها من المجاورين: اجتمعوا بالحرم الشريف، واجتمع منهم جمع كثير. فأتوا محمد بن جعفر، وقالوا له: لنخلعنك ولنقتلنك، أو لتردن إلينا هذا الغلام.
فأغلق بابه وكلمهم من شباك، وطلب منهم الأمان ليركب إلى ابنه ويأخذ الغلام، وحلف لهم أنه لم يعلم بذلك، فأمنوه.
وركب إلى ابنه، وأخذ الغلام منه وسلمه إلى أهله، ولم يلبثوا إلا يسيرا حتى قدم
129 ـ انظر ترجمته فى: (مقاتل الطالبين 353، تاريخ بغداد 2/ 113 ـ 115، الكامل لابن الأثير 6/ 311، العبر 1/ 342، عيون التواريخ 7/ 170، 171، تاريخ ابن خلدون 3/ 244، شذرات الذهب 2/ 7، سير أعلام النبلاء 10/ 104).
إسحاق بن موسى العباسى عامل اليمن، فارا منها لتغلب إبراهيم بن موسى بن جعفر، ونزل المشاش.
واجتمع العلويون إلى محمد بن جعفر الديباجة، وقالوا: قد رأينا أن تخندق علينا بأعلا مكة.
ثم حشدوا الأعراب، فقاتلهم إسحاق أياما، ثم كره الحرب، وطلب العراق، فلقيه الجند للذين نفذهم: هزيمة، ومعهم الجلودى، وورقاء بن جميل، فقالوا لإسحاق: ارجع معنا، ونحن نكفيك القتال، فرجع معهم.
واجتمع إلى محمد هذا غوغاء أهل مكة، وسودان أهل البادية، والأعراب، فعبأهم ببئر ميمون.
وأقبل ورقاء وإسحاق بن موسى بمن معهما من القواد والجند فالتقوا وقتل جماعة، ثم تحاجزوا، ثم التقوا من الغد، فانهزم محمد وأهل مكة، وطلب محمد الديباجة منهم الأمان، فأجلوه ثلاثا، ثم نزح عن مكة.
ودخلها إسحاق وورقاء فى جمادى الآخرة. وتفرق الطالبيون عن مكة كل قوم ناحية. فأخذ محمد ناحية جده، ثم طلب الجحفة.
فخرج عليه محمد بن حكيم من موالى آل العباس، ومعه عبيد ليدركوه؛ لأن الطالبيين كانوا نهبوا داره، وبالغوا فى أذاه. فلحقه بقرب عسفان، وانتهب جميع ما معه، حتى لم يبق فى وسطه إلا سراويل، وهمّ بقتله، ثم رحمه وطرح عليه ثوبا وعمامة، وأعطاه دريهمات، فمضى وتوصل إلى بلاد جهينة (1) على الساحل، فأقام هناك أشهرا يجمع الجموع.
وكان بينه وبين والى المدينة هارون بن المسيب، وقعات عند الشجرة وغيرها فهزم وفقئت عينه بسهم، وقتل من أصحابه خلق كثيرون، ورد إلى موضعه.
فلما انقضى الموسم طلب الأمان من الجلودى، ومن ورقاء بن جميل، وهو ابن عم الفضل بن سهل، فأمناه، وضمن له ورقاء عن المأمون، وعن الفضل بالأمان. فقبل ذلك.
(1) جهينة: بلفظ التصغير، قرية كبيرة من نواحى الموصل على دجلة، وهى أول منزل لمن يريد بغداد من الموصل، وعندها مرجّ يقال له مرج جهينة. انظر معجم البلدان 2/ 194.
وأتى مكة لعشر بقين من ذى الحجة، فخطب الناس وقال: إنى بلغنى أن المأمون مات، وكان له فى عنقى بيعة، وكانت فتنته عمت الأرض فبايعنى الناس، ثم إنه بلغنى: أن المأمون حى صحيح، وأنا أستغفر الله من البيعة، وقد خلعت نفسى من بيعتى التى بايعتمونى عليها، كما خلعت خاتمى هذا من أصبعى، فلا بيعة لى فى رقابكم.
ثم نزل وسار سنة إحدى ومائتين إلى العراق، فسيره الحسن بن سهل إلى مرو. فلما سار المأمون إلى العراق صحبه، فمات بجرجان (2).
وفى تاريخ الذهبى ـ بعد أن ذكر قدوم الديباجة إلى مكة بالأمان ـ: فصعد عيسى ابن يزيد الجلودى المنبر بمكة، وصعد دونه محمد بن جعفر عليه قباء أسود، فخلع نفسه، واعتذر عن خروجه: بأنه بلغه موت المأمون، وقد صح عندى الآن أنه حى، وأستغفر الله من فعله.
ثم خرج به عيسى الجلودى إلى العراق، فبعث به الحسن بن سهل إلى المأمون وبقى قليلا.
ثم مات فى شعبان سنة ثلاث ومائتين. فصلى عليه المأمون، ونزل فى لحده، وقال: هذه رحم قطعت من سنين.
وقيل: إن سبب موته: أنه جامع ودخل الحمام، وافتصد فى يوم واحد، فمات فجأة.
كتبت هذه الترجمة من تاريخ ابن الأثير، المسمى بالكامل، وتاريخ الإسلام للحافظ الذهبى، وجمعت بين ما ذكراه، وكل منهما: ذكر ما لم يذكر الآخر.
وقال فى حقه ابن الأثير: وكان شيخا محببا فى الناس، مفارقا لما عليه كثير من أهل بيته من قبح السيرة. وكان يروى العلم عن أبيه جعفر، وكان الناس يكتبون عنه.
وكان يظهر زهدا. فلما أتوه، قالوا: نعلم منزلتك فى الناس، فهلم نبايع لك بالخلافة، فإن فعلت لم يتخلف عليك رجلان. فامتنع من ذلك، فلم يزل به ابنه على وحسين بن حسن الأفطس، حتى غلباه على رأيه، وأجابهم.
فأقاموا فى ربيع الآخر، فبايعوه بالخلافة، وجمعوا الناس فبايعوه طوعا كرها، وسموه: أمير المؤمنين، فبقى شهورا وليس له من الأمر شئ. انتهى. وبعض هذا ذكرناه فيما سبق.
(2) جرجان: بالضم، وآخره نون، وجرجان: مدينة مشهورة عظيمة بين طبرستان وخراسان، فالبعض يعدها من هذه والبعض يعدها من هذه. انظر: معجم البلدان 2/ 119 وما بعدها.