الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما قتل أعلنت ولاية عنان بمكة عوض المذكور، ودخل مكة مع الترك، وهم متسلحون حتى انتهوا إلى أجياد، فحاربوا من ثبت لهم من جماعة محمد، ثم ولوا، وترك الترك الحرب مع التيقظ مخافة العدو، وانقطع بقتل محمد ولاية أولاد أحمد.
ويقال: إن أحمد بن عجلان، رأى فى المنام أن عنانا جب ذكره. فذكر ذلك أحمد لبعض الناس، فقال له: يقطع عنان ذكر ولدك المذكور، فكان كذلك؛ لأن محمدا قتل ولم يترك ولدا ذكرا، وما ترك أبوه ذكرا غيره.
وكان أحمد قد منح ابنه محمدا هذا ثلاثة خيول، أحياها بوادى مر وهى: البثنى، والبحرين، والحميمة.
وثبت إقرار أحمد بملك ابنه محمد لذلك عند قاضى مكة محب الدين النويرى بشهادة عمه القاضى نور الدين النويرى على أحمد بن عجلان بذلك، ويمين ابنه محمد على صحة ذلك عند الحجر الأسود.
وكان أبوه زوجه على ابنة على بن مبارك بن رميثة بن سعدانة بنت عجلان.
واحتفل أحمد بالنفقة فى عرس ولده عليها احتفالا عظيما، ورزق منها بنتا تسمى شمسية، هى الآن زوجة السيد رميثة بن محمد بن عجلان أمير مكة، فى سنة تسع عشرة وثمانمائة. فالله يسدده وإلى الخير يرشده.
34 ـ محمد بن أحمد بن عطية بن ظهيرة بن مرزوق، القرشى، المكى، المخزومى:
سمع من: عيسى الحجى، والآقشهرى، والشريف أبى الخير الفارسى، وموسى الزهرانى. وما علمته حدث.
وأجاز له من دمشق القاضى سليمان بن حمزة وجماعة.
وذكر لى شيخنا أبو حامد بن ظهيرة: أنه توفى فى أواخر ذى الحجة سنة تسع وأربعين وسبعمائة بمكة.
35 ـ محمد بن أحمد بن على بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أحمد بن ميمون ابن راشد القبسى، الشيخ قطب الدين، أبو بكر بن الشيخ أبى العباس القسطلانى، المكى، الشافعى:
ولد فى السابع والعشرين من ذى الحجة سنة أربع عشرة وستمائة بمصر. وحمل فى موسم سنة تسع عشرة إلى مكة، فنشأ بها.
35 ـ انظر ترجمته فى: (طبقات الشافعية 5/ 18، فوات الوفيات 2/ 181، الرسالة المستطرفة 92، شذرات الذهب 5/ 397، النجوم الزاهرة 7/ 373، حسن المحاضرة 1/ 236، المغرب 1/ 269، التاج 8/ 80، الأعلام 5/ 323، 324).
وأجاز له من شيوخها: الحافظ أبو الفتح الحصرى، إمام الحنابلة.
وسمع بها من: أبى الحسن بن البنا جامع الترمذى، ومن أبى طالب عبد المحسن بن أبى العميد الحقيقى، إمام مقام إبراهيم بمكة أربعين عبد المنعم الفراوى عنه.
وعلى الشيخ شهاب الدين السهروردى كتابه: عوارف المعارف فى التصوف ولبس منه خرقة التصوف، وعلى جماعة من شيوخ ولده أبى المعالى، الآتى ذكره بطلبه.
ثم رحل فسمع بدمشق من: إسماعيل بن أحمد العراقى، وأحمد بن المفرح بن مسلمة الأموى، وغيرهما.
وببغداد فى سنة خمسين وستمائة من: إبراهيم بن أبى بكر الزغبى، وأبى السعادات عبد الله بن عمر البندنيجى، وفضل الله بن عبد الرزاق الجيلى، وموهوب بن أحمد الجواليقى، ويحيى بن قميرة، وغيرهم.
وسمع أيضا بالكوفة (1)، ومنيح (2)، وحران (3)، وحمص (4)، والمعرة، ودنيس، والقدس، ومصر، والمدينة، واليمن. وعنى بهذا الشأن، فكان فيه من ذوى الحفظ والإتقان.
وقرأ الشيخ قطب الدين القسطلانى ـ على ما ذكر ـ الفقه والتفسير والخلاف، وأنواع العلوم، على: شيخ الحرم نجم الدين بشير بن حامد التبريزى.
(1) الكوفة: بالضم: المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق ويسميها قوم خد العذراء، قال أبو بكر محمد بن القاسم: سميت الكوفة لاستدارتها أخذا من قول العرب: رأيت كوفانا وكوفانا، بضم الكاف وفتحها، للرميلة المستديرة، وقيل: سميت الكوفة كوفة لاجتماع الناس بها من قولهم: تكوّف الرمل. انظر: معجم البلدان (الكوفة).
(2)
منيح: جبل لبنى سعد بالدهناء. انظر: معجم البلدان (منيح).
(3)
حرّان: بتشديد الراء، وآخره نون، يجوز أن يكون فعّالا من حرن الفرس إذا لم ينقد، ويجوز أن يكون فعلان من الحرّ، وهى مدينة عظيمة مشهورة من جزيرة أقور، وهى قصبة ديار مضر. بينها وبين الرّها يوم وبين الرّقّة يومان، وهى على طريق الموصل والشام والروم، وحرّان أيضا: من قرى حلب. وحرّان الكبرى وحرّان الصغرى: قريتان بالبحرين لبنى عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس. وحرّان أيضا: قرية بغوطة دمشق. انظر: معجم البلدان، معجم ما استعجم (حران).
(4)
حمص: مدينة بالشام مشهورة، لا يجوز فيها الصرف كما يجوز فى هند، لأنه اسم أعجمى، سميت برجل من العماليق يسمى حمص، ويقال رجل من عاملة، هو أول من نزلها. انظر: الروض المعطار 198، 199، معجم البلدان 2/ 302.
ودرس ـ على ما ذكر ـ بمدرسة دار زبيدة بالحرم بحضرة والده.
وأفتى فى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وأفتى فيما بعد ذلك كثيرا، وحدث بكثير من مسموعاته، وببعض تآليفه.
ومن تآليفه شيء يتعلق بتاريخ اليمن، ومختصر فى علم الحديث سماه:«المنهج المبهج عند الاستماع لمن رغب فى علوم الحديث على الاطلاع» ومختصر فى الأسماء المبهمة فى الحديث، و «ارتقاء الرتبة فى اللباس والصحبة» ، ومجلس فى فضل رمضان، ومجلس فى فضل ذى القعدة.
ومن تآليفه على ما ذكره ابن رشيد الفهرى فى رحلته: كتاب فى المناسك. ذكر أنه وقف عليه، وعقيدة سماها:«لسان البيان عن اعتقاد الجنان» واختصر هذه العقيدة، وحمل الإيجاز فى الإعجاز بنار الحجاز، وفواضل الزمن فى فضائل اليمن، ولعله الذى ذكرناه أولا، ومنهاج النبراس فى فضائل بنى العباس، ورسالة الحمالة جزء، وجلالة الدلالة على إقامة العدالة، وتأنيس النضارة على إقامة الوزارة، وكتاب النصح من موارد المتالف فى الاقتداء والمخالف، ومسألة تكلم فيها على مسألة عز الدين ـ يعنى ابن عبد السلام ـ فى تفضيل الأنبياء. ثم قال: ألفيت أسماء هذه «التصانيف» بخط أبى إسحاق البلقينى.
وذكر ابن رشيد أيضا: أن من تصانيف القطب: كتاب «الورد الزائد فى بر الوالدين» . وذكر أنه قرأ عليه مختصر العقيدة له، انتهى.
وحدث الشيخ قطب الدين القسطلانى قديما.
سمع منه فى تسع وأربعين وستمائة بدمشق جماعة كبار من محدثيها إذ ذاك منهم: شقيشقة، والمعين الدمشقى، والزين النابلسى، وغيرهم.
وسمع منه: رفيقه الحافظ شرف الدين الدمياطى، والحافظ قطب الدين الحلبى.
وقال: كان إماما، عالما محدثا، حافظا، مفتيا، ثقة، حجة، حسن الأخلاق، سخيا، عفيفا، مكرما للواردين عليه، حسن الاستماع لما يقرأ عليه، كثير السعى فى حوائج الناس، وذكر ثناء آخر.
وسمع منه أيضا: الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس. وقال فى جواب مسائل، سئل عنها: وأما المسئول عن أحفظ من لقيت، فأولهم فى التقديم، وأولاهم بالتعظيم: الشيخ
الإمام، قدوة الناسكين، عمدة السالكين، قطب الدين بقية العلماء العاملين. وسمع منه غيرهم من الأعيان، وأثنوا عليه كثيرا، وهو حرى بذلك.
فقد ذكر جد أبى: الشريف أبى عبد الله الفاسى، أحد تلامذة القطب القسطلانى هذا: أن الشيخ قطب الدين القسطلانى هذا قال: كنت أقرأ على شيخنا أبى عبد الله محمد بن عمر بن يوسف القرطبى بالمدينة النبوية، فجئته يوما وأنا فى وقت خلوة، وأنا يومئذ حديث السن، فخرج إلىّ وقال: من أدبك بهذا الأدب وعاب علىّ؟ فذهبت عنه، وأنا منكسر، فدخلت المسجد، وقعدت عند قبر النبى صلى الله عليه وسلم، فبينا أنا جالس على تلك الحال، وإذا الشيخ ـ رضى الله عنه ـ قد جاءنى وقال: قم. فقد جاء فيك شفيع لا يرد. انتهى. وهذه منقبة عظيمة.
وذكر جدى أنه سمعه أيضا يقول: عاهدت الله تعالى أن لا أرد سائلا. انتهى. وهذه خصلة حسنة مستلزمة لمحبته ومدحه.
وكان عين لقضاء مكة فى سنة خمس وأربعين وستمائة، فتوقف. وفضائله كثيرة.
وتوفى ليلة السبت الثامن والعشرين من المحرم سنة ست وثمانين وستمائة بمنزله بالكاملية، ودفن بالقرافة، وشهد جنازته خلق كثير وضجوا عليه بالبكاء.
وكان طلب من مكة بعد موت أخيه التاج القسطلانى لمشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة، فوليها حتى مات.
وقال الأديب ناصر الدين أبو على شاور طرخان الكنانى، المعروف بابن النقيب فى القطب القسطلانى لما توجه إلى القاهرة بعد موت أخيه التاج:
استوحشت مكة من قطبها
…
واستأنست مصر به والديار
شيخ شيوخ الحرم المقتدى برأيه
…
عند الأمور الكبار
فيا له قطب مدار العلا عليه
…
والقطب عليه المدار
أنشدنى إبراهيم بن محمد الصوفى بقراءتى عليه بالحرم الشريف سابع عشر رجب سنة خمس وثمانمائة: أن الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور الحلبى أنشده إذنا وجماعة، قالوا: أنشدنا الشيخ قطب الدين القسطلانى لنفسه إجازة إن لم يكن سماعا فى لزوم ما لا يلزم، وكتب ذلك عنه الحافظ الدمياطى:
ألا هل لظل بالأراك معاد
…
وهل ذلك العيش الهنى يعاد
وهل زائر الزوراء زائر أبطح
…
وخيف منى دار تحل سعاد
وهل لطوى والمأزمين ومشعر
…
تدان فقد أضنى الفؤاد بعاد
وهل مدنف باك تكدر عيشه
…
وأقلقه داعى الغرام يعاد
وهل ذلك السر الذى كان بيننا
…
وما فطن الواشى لذاك يعاد
ومن شعره ما رويناه بالإسناد المذكور، وسمعه منه أيضا الدمياطى:
أراعك وشك البين أم أنت غافل
…
أم القلب فى إثر الظعائن راحل
لقد لج هذا الوجد حتى كأنه
…
يحاول ثأرا عند من هو قاتل
تحيرت حتى لو سئلت عن الهوى
…
لفرط الجوى لم أدر ما أنا قائل
أجبنا بنا بالجزع عن أيمن الحمى
…
ترى هل لما أدرى من الشوق ناقل
تمنع من أهوى علىّ بوصله
…
فعندى من الوجد المبرح شاغل
كتمت هواه برهة فنمت به
…
دموع على خدى هوام هوامل
رعى الله هاتيك المعاهد كم بها
…
عهود بقلب أحرقته البلابل
ومن شعره أيضا ما رويناه عنه بالإسناد المذكور:
ألا هل عشيات الأراك رواجع
…
فتنعم عينا والعيون هواجع
ونرفل فى ذيل من القرب سابل
…
ويسكن نصب حركته القواطع
ونرفع جرم الهجر عنا بوصلها
…
عوامل لما أن عداها التقاطع
غريب له مذ بان بان برامه
…
فؤاد معنى أزعجته المطامع
يبيت يناجى النجم والطرف ساهر
…
بجنب قريح قد جفته المضاجع
له مذ رأى الأحباب سفح مدامع
…
وزفرة مصمود وهل ذاك نافع؟
تشاغل دهرا بالحديث يظنه
…
يشتت هما وهو للهم جامع
ولم يثنه قول الوشاة بأنه
…
وإن ظن عاص فهو بالقطع طائع
تبدل من مر التصابى حلاوة
…
فلذ له ما طال فيه التنازع
دعوا العتب فيما قد مضى وتصدقوا
…
ببذل الرضى فالعمر لولاه ضائع
ومن لى بوصل أرتجيه وإننى
…
بطيف خيال فى المنام لقانع
أجيروا من الجور المفرق للمنى
…
بجمع على مر الدهور يطاوع
ومنه بهذا الإسناد:
إذا طاب أصل المرء طابت فروعه
…
ومن عجب جاءت يد الشوك بالورد
وقد يخبث الفرع الذى طاب أصله
…
ليظهر صنع الله فى العكس والطرد
ومنه بهذا الإسناد:
ألا هل لهجر العامرية إقصار
…
فيقضى من الوجد المبرح أوطار
ويشفى غليلا من عليل مولّه
…
له النجم والجوزاء فى الليل سمار
أغار عليه السقم من جنباته
…
وأغراه بالأحباب نأى وتذكار
ورق له مما يلاقى عذوله
…
وأرقه دمع ترقرق مدرار
يحن إلى برق الأثير وقلبه
…
ويخفق إن ناحت حمام وأطيار
عسى ما مضى من خفض عيش على الحمى
…
يعود فلى فيه نجوم وأقمار
ومنه بهذا الإسناد:
حقيق على المشتاق تعفير خده
…
بباب الذى يهواه فى السر والجهر
وإيثار ما يرضاه فى السخط والرضى
…
وإيثار ما يرضيه فى النفع والضر
ومنه بهذا الإسناد:
علم الحديث مفيد كل مكرمة
…
فادأب فديتك يا ذا الجد والأدب
واعكف على الدرس ليلا إن أردت علا
…
فالعلم يعلى دنى الأصل فى الرتب
ومنه بهذا الإسناد:
ستأتى من الرب الرحيم لطائف
…
توسع ما قد ضاق فى السر والجهر
فكن واثقا بالله وارص نواله
…
تنل ما تشا من مالك الخلق والأمر
ومنه بهذا الإسناد:
إذا كان أنسى فى التزامى لخلوتى
…
وقلبى عن كل البرية خالى
فما ضرنى من كان لى الدهر قاليا
…
ولا سرنى من كان فىّ موالى
ومنه بهذا الإسناد:
لأجهدن على أن لا أرى أحدا
…
وأنثنى خاليا عن قرب من بعدا
وأعمل الفكر فيما أستفيد به
…
يوم النشور غدا عند الإله يدا
إنى اعتبرت بنى الدنيا فما ظفرت
…
كفى بود امرئ ألقاه معتمدا
ولا فى الشدائد أعوان على زمن
…
ولا الرخاء أياديهم تمد يدا
ومن تصدى إلى إتيان بابهم
…
أهين حينا وألفى منهم نكدا
والحر يأنف عن ذل يفيد به
…
عزا فكيف بذل قاصرا بدا
العز ترك بنى الدنيا بأجمعهم
…
لا عن هوان بهم بل ترك من زهدا
وقد كتب هذه الأبيات عنه ابن رشيد، وذكرها فى رحلته مع تخميسها للشيخ قطب الدين القسطلانى.
وذكر فى رحلته سؤالا سئل عنه الشيخ قطب الدين القسطلانى، وأجاب عنه بجواب مفيد، وقد رأيت أن أذكره لما فى ذلك من الفائدة، كما هو فى رحلة ابن رشيد.
قال فى ترجمة الشيخ قطب الدين أبى بكر بن القسطلانى: وحضرت شيخنا الإمام أبى بكر، وقد ورد عليه هذا السؤال، فأجاب عليه، وقرأت عليه السؤال والجواب، وكتبته عنه، وكتب لى خطه عليه، ونص ذلك:
ما يقول السادة الفقهاء ـ وفقهم الله لطاعته، وأعانهم على مرضاته ـ فى الدروزة، هل هى مباحة مطلقا أو لا تباح إلا مع الضرورة؟ وهل تباح مع القدرة على الكسب أم لا؟ وهل تباح مع استغراق الزمان فى العلم، ما يعنى به العلم الذى هو فرض عين، وإنما يعنى به العلم الذى هو فرض كفاية أم لا؟ وإذا قلنا بإباحتها، فهل يقتصر على الكفاية؟ أم يجوز الإدخار؟ وهل يجوز فيها أكل الطيبات ولبس الناعم من الثياب؟ أم يجوز فيها الاقتصار على الخشن من الثياب وأكل الخبز الخشكار بلا أدم، أم يجوز معه إدام؟ وهل إذا كان له عائلة ولا يطيقون الفاقة وكسبه ما يفى بأودهم، فهل له أن يدروز بحقهم أو حق من تلزمه نفقتهم؟ أفتونا وأوضحوا إيضاحا شافيا أوضح الله لكم الطريق ورزقكم فيها التوفيق.
الجواب: الله الموفق والمعين.
أصل السؤال عند الضرورة مشروع، وعند الاستغناء عنه ممنوع، هذا إذا كان يسأل لنفسه، أما من كان يسأل لغيره فيجوز له السؤال، وقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد لغيره.
وأما الدروزة فى مصطلح أهل الطريق: فهى لأجل الغير مباحة، بل مندوب إليها مع الغنى والفقر فى الطالب لها تأسيا بفعله عليه السلام.
وأما لنفسه: فإن كان لضرورة، فهى مباحة، وإن كان مع غنى فحرام فى أخذ فرض الزكاة مكروه فى صدقة التطوع.
وأما أخذ صدقة الفرض مع الغنى بالمال أو القوة على الكسب ممن له بالمهنة عادة: فحرام.
وأما إذا تعارض الاشتغال بالعبادة مع السؤال، أو الاشتغال بالكسب: فبين أهل الطريق فيه اختلاف.
والذى يظهر لى أن عمارة الزمن بالعبادة مع تضييع زمن يسير فى السؤال لتحصيل قيام النية أولى.
وأما الاشتغال بعلم فرض الكفاية: فإنه أولى من الاشتغال بالسبب مع الجهل، وإذا أبيح السؤال، وحصل ما يزيد على الكفاية، فإن ادخره لغيره فلا بأس.
وأما لنفسه، فحكمه فى طريق القوم: المنع، كان عليه السلام لا يدخر شيئا لغد.
وأما أكل الطيب، ولبس الناعم: فعند قصده لذلك، فهو ممنوع منه، وإن وقع شيء من ذلك، فإن اختار التقشف وإيثار الغيرية، كان فى حقه أولى، وإن وافق وأخذ بقدر الضرورة، فلا بأس.
وله أن يأكل بإدام، وله أن يدروز لعائلته ما يتم به كفايتهم، وكذلك لمن يرد عليه من الفقراء.
وحمل الزنبيل له فى الطريق شروط:
أحدها: خلوه عن الخط فيه، بل يمتثل ما يؤمر به من المتقدم عليه.
وثانيها: إحضار ما طرح فيه بين يدى من أقامه فى تلك الخدمة.
وثالثها: وجود الأمانة فيما يحمله إلى الجماعة حتى يأتى به موفرا لا يخرج شيئا منه لا لنفسه ولا لغيره.
ورابعها: أن يخرج وهو آيس من تعلق الأمل لجهة معينة، بل يقصد الله تعالى فى تيسير طلبه.
وخامسها: إن سأل شخصا معينا فلا يقف عنده بعد رده، إما بإباحة أو منع، ولا يفعل كما يفعل العوام من السؤال، ويقول: عاودوهم، فإن القلوب بيد الله تعالى.
وسادسها: إن سأل وهو مار فى طريقه فليأخذ ما يعطاه وهو مقبل، ولا يرجع لمن يريد أن يعطيه شيئا إذا ولى عنه، بل إن أراد المعطى يتبعه حتى يعطيه ذلك القدر، فإن رجع وأخذ منه كان خللا فيما التزمه من طريقه.