الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
465 ـ محمد بن موسى بن على بن عبد الصمد بن محمد بن عبد الله المراكشى، الحافظ المفيد، جمال الدين أبو البركات المكى الشافعى:
سبط الشيخ عبد الله اليافعى. ولد فى ليلة الأحد ثالث رمضان سنة سبع وثمانين وسبعمائة، بمكة المشرفة. ونشأ بها على العفاف والصيانة، والخير والعناية الكثيرة بفنون من العلم والحديث، فقرأ على جماعة فى الفقه والأصول، والعربية، والمعانى والبيان والعروض والفرائض والحساب، وبرع فى هذه العلوم.
وتقدم كثيرا فى الأدب، وله فيه النظم الكثير المليح لغوصه على المعانى الحسنة. وتقدم كثيرا فى الحديث لجودة معرفته بالعلل وأسماء المتقدمين، والمتأخرين، والمرويات، والعالى والنازل، مع الحفظ لكثير من المتون، ولم يكن له فى ذلك نظير بالحجاز، وكان حسن الجمع والتأليف، والإيراد لما يحاوله من النكت والأسئلة والإشكالات، وافر الذكاء، سريع الكتابة، مليحها.
ومن شيوخه فى العلم بمكة: قاضى قضاتها جمال الدين محمد بن عبد الله بن ظهيرة السابق ذكره، تفقه عليه كثيرا، وقرأ عليه جملة كثيرة من مروياته، والشيخ شمس الدين محمد بن محمود الخوارزمى، المعروف بالمعيد، أخذ عنه كثيرا فى العربية ومتعلقاتها، وانتفع فى العربية كثيرا بزوج والدته، صاحبنا الشيخ الإمام خليل بن هارون الجزائرى.
وتفقه أيضا بالمدينة النبوية، على شيخها، مسند الحجاز أبى بكر بن الحسين المراغى، قرأ عليه تأليفه، المسمى بالعمد فى شرح الزبد، فى الفقه، وأذن له فى الإفتاء والتدريس.
وقرأ عليه شيئا كثيرا جدا من مروياته بالمدينة ومكة، وهو من أجل شيوخه فى الرواية بالحجاز. وأحسن شيوخه فى الرواية على الإطلاق، شيخنا مسند الحجاز، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن صديق الرسام، الآتى ذكره، وسمع عليه بمكة شيئا كثيرا من الكتب الكبار، والأجزاء.
وقرأ بمكة كثيرا على الشيخين أبى اليمن محمد بن أحمد بن الرضى الطبرى، وزين الدين محمد بن الزين أحمد بن محمد بن المحب الطبرى، وبالمدينة على رقية بنت أبى مزروع، وخلق كثيرين، بمكة وطيبة.
ورحل للرواية والدراية من مكة بعد الحج، فى سنة أربع عشرة وثمانمائة، إلى صوب
465 ـ انظر ترجمته فى: (الضوء اللامع 10/ 56).
الشام فسمع بدمشق، وقرأ كثيرا على جماعة كثيرين، أحسنهم رواية، مسندة الوقت ـ إذ ذاك ـ أم عبد الله عائشة بنت المحتسب شمس الدين محمد بن عبد الهادى المقدسية الصالحية، شيختنا.
وجماعة كثيرين، رووا له عن أصحاب ابن عبد الدايم، وابن أبى اليسر، وابن أبى عمر، وابن البخارى، وطبقتهم، منهم: عبد القادر بن الأرموى، وهو من أصحاب زينب بنت الكمال، وعبد الرحمن بن طولوبغا، وشمس الدين محمد بن محمد بن عياش الجوخى؛ وفاطمة بنت عبد الله الحورانى، وقطو ملك بنت ناصر الدين محمد بن إبراهيم ابن الملوك، ولطيفة بنت عز الدين الأماسى.
وسمع ببعلبك، على محمد بن إسماعيل بن بردس، وهو من أصحاب محمد بن إسماعيل ابن الخباز، وبحلب على محدثها الإمام برهان الدين إبراهيم سبط بن العجمى وغيره بحلب، وغيرها من بلاد الشام.
وقصد بعد ذلك الديار المصرية، فسمع وقرأ بالقدس، والخليل، على جماعة من أصحاب الميدومى.
وبالقاهرة على مسندها شرف الدين أبى الطاهر محمد بن أبى اليمن بن الكويك، قرأ عليه مسموعه أو غالبه، من «الحلية» لأبى نعيم، وغير ذلك كثيرا، وعلى شيخنا شيخ الإسلام ولى الدين أبى زرعة أحمد بن شيخنا حافظ الإسلام زين الدين العراقى أشياء من مروياته، وشرح والده لألفيته فى الحديث المسماة:«بالتبصرة» ، وعلى جماعة من أصحاب أصحاب ابن البخارى، منهم: جمال الدين عبد الله بن على العسقلانى الحنبلى، سبط القلانسى.
ورحل إلى الإسكندرية، فسمع بها من القاضى كمال الدين عبد الله بن محمد بن محمد بن خير: السداسيات، والمشيخة: للرازى، وهو يروى ذلك عن ابن الصفى، وروى له عن الوادياشى، وقرأ بها: الترمذى على بعض رواته، عن ابن البورى، ولقى صاحبنا الحافظ الناقد الحجة، أبا الفضل أحمد بن على بن حجر العسقلانى، وذاكره فيما يتعلق بالحديث، وانتفع به فى ذلك، وبشيخنا الحافظ ولى الدين أبى زرعة بن العراقى، متع الله بحياتهما، وعاد إلى مكة، وقد حصل من الرواية والدارية فيما يتعلق بالحديث وغيره، على حظ طائل.
وخرج فى سنة إحدى عشرة وثمانمائة، مشيخة حسنة لشيخنا زين الدين أبى بكر ابن الحسين المراغى، سمعناها بقراءته عليه بمنى.
وخرج مشيخة أيضا لشيخنا مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازى، الآتى ذكره، قاضى اليمن، وأخذ عنه هناك.
وخرج لغير واحد من شيوخه وأصحابه، وشرع فى تخريج «معجم» لى، فألف منه عدة كراريس، فى تراجم المحمدين.
وخرج لنفسه أربعين حديثا متباينة الإسناد والمتون؛ وكلها موافقة لأصحاب الكتب الستة، فجاءت فى غاية الحسن، دالة على كثرة حفظه، ولم يبيضها.
وكتب شيئا كالشرح على «نخبة الفكر» لصاحبنا الحافظ شهاب الدين أبى الفضل ابن حجر، ولم يكمله، وله تواليف كثيرة لم يكملها، منها: شيء على نمط «الموضوعات» لابن الجوزى، وشيء يتعلق بتاريخ المدينة النبوية، وشيء فى علم الحديث، على طريق ابن الصلاح، ولم يكمل شيئا من هذه التواليف.
ودخل اليمن مرات كثيرة، منها: فى سنة عشرين وثمانمائة، وولى بها السماع للحديث بالمدرسة التاجية بزبيد، ومال بعد ذلك إلى استيطان اليمن، فنقل إليه تعاليقه وأجزاءه، وكتبه، وظهر لفضلاء اليمن فضيلته فى الحديث وغيره، فأحبوه ونوهوا بذكره، ونمى خبره إلى الملك الناصر صاحب اليمن، فمال إليه، ونال منه برّ غير مرة، بعد مديحه للملك الناصر بقصائد طنانة.
وتوجه من اليمن لقصد الحج، فى النصف الثانى من ذى القعدة، سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، وكان ببعض المراسى القريبة من جدة فى يوم حار. وركب فى وسط هذا النهار فرسا عريا، وركض كثيرا ليدرك الحج، وكان بدنه ضعيفا، فازداد ضعفا، وأدرك أرض عرفة فى آخر ليلة النحر فيما ذكر، وما أتى إلى منى، إلا فى آخر يوم النفر الأول؛ لأنه مشى على قدميه، وهو شديد الضعف فى يومين إلى المزدلفة، فى يوم النفر الأول، علمنا خبره، فمضى إليه من أحضره إلى منى، ونفر منها إلى مكة، ولم يزل عليلا، وربما أفاق قليلا فى بعض الأيام؛ حتى مات بعد صلاة الصبح، من يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، بمكة المشرفة، بعد أن كتب وصيته بخطه فى هذا اليوم، ودفن بالمعلاة بعد صلاة الجمعة، وتأسف الناس عليه كثيرا، لوفور محاسنه.
وكنت عظيم الأسف عليه، لما بينى وبينه من الصداقة الأكيدة، ولما يفيدنيه فى الحديث وغيره. وقل أن اجتمعت به إلا وأفادنى شيئا. وكان مع وفور فضيلته، يذاكرنى بأشياء كثيرة من متعلقات الحديث. فأذكر له فيها ما يعتمده.
وقد سمع منى بوادى الفرع، ونحن متوجهون لزيارة المصطفى عليه السلام، فى سنة اثنتى عشرة وثمانمائة، أحاديث من الثقفيات، وغير ذلك. وسمعت منه شعرا كثيرا، لغيره ولنفسه، فمنه قوله فى مشيخة شيخنا المراغى، بعد ذكره لأسانيده:
فى زى ذى قصر بدت
…
لكنه عين السمو
فاعجب لها وهى القصي
…
رة كيف تنسب للعلو
ومنه قوله، الذى كتب به على «بديعية» الأديب زين الدين شعبان المصرى:
وروضة للزين شعبان قد
…
أربت على زهر حلا فى ربيع
لو لم تفق نسج الحريرى لما
…
حاكت بهذا النظم رقم البديع
وكتب بمكة شيئا من شعره، إلى شيخنا العلامة عمدة المقرئين، شمس الدين أبى الخير محمد بن محمد بن محمد بن على بن يوسف، المعروف بابن الجزرى، قاضى شيراز. وكان قدم مكة من شيراز للحج والمجاورة، بعد زيارته للمدينة، وسأل فيها من شيخنا ابن الجزرى، أن يبيح له التدريس والإفتاء فى الفقه والحديث، فأجابه لذلك شيخنا ابن الجزرى نظما. والذى كتب به صاحب هذه الترجمة، هو فيما أنبأنا به، قوله:
يا شمس أفق بلاد الشرق كم شهدت
…
سيارة بعلاها سرن فى البشر
يا سابق العلما فى كل مشكلة
…
وكل علم أمنت السبق فانتظر
مددت أبحر علم لا يطاق فمذ
…
جزرت رفقا دعاك الناس بالجزرى
نداء ذى غلة قالت على نبأ
…
البحر عذبا هنا فأغنى عن المطر
ها قد قصدتك أبغى بالإجازة تش
…
ريفا لديك بفتوى العلم والخبر
حققتم معنى لفظ الإجازة لل
…
طلاب لكن بلا رد لمنتظر
قد أسفت على تلك الفضائل لم
…
ما كان تسليمها الوديع للسفر
طلعت علما علينا والشموس كذا
…
تسير عاما فسر بالعز والظفر
فأجابه العلامة شمس الدين الجزرى ما نصه:
يا عالما ما له فى الناس من شبه
…
وناظما جوهرا قد زين بالدرر
ويا إماما له فى الحفظ أى يد
…
فاق الألى سلفوا فى غابر العصر
شرفتنى بقريض لا نظير له
…
بسيط بحر أتى صفوا بلا كدر
نعم أجزتك ما أروى وما لى من
…
نظم ونثر وأن تفتى مع الحذر
وعلمنا بك يغنى عن تقيده
…
بشرطه فارو ما تبغى بلا خطر