الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا المعنى الذي ذكره هنا من أن افتراء الكذب على الله يجعل الشركاء له هو أعظم الظلم = جاء مبينًا في آيات كثيرة، كقوله:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} الآية، وقوله:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)} ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًا.
•
.
{وَإِذِ} في قوله: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ} للتعليل على التحقيق، كما قاله ابن هشام، وعليه فالمعنى: ولأجل اعتزالكم قومكم الكفار وما يعبدونه من دون الله، فاتخذوا الكهف مأوى ومكان اعتصام، ينشر لكم ربكم من رحمته، ويهيئ لكم من أمركم مرفقًا. وهذا يدل على أن اعتزال المؤمن قومه الكفار ومعبوديهم من أسباب لطف الله به ورحمته.
وهذا المعنى يدل عليه أيضًا قوله تعالى في نبيه إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)} . واعتزالهم إياهم هو مجانبتهم لهم، وفرارهم منهم بدينهم.
وقوله: {وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّه} اسم موصول في محل نصب معطوف على الضمير المنصوب في قوله: {اعْتَزَلْتُمُوهُمْ} أي:
واعتزلتم معبوديهم من دون الله. وقيل: "ما" مصدرية، أي: اعتزلتموهم واعتزلتم عبادتهم غير الله تعالى. والأول أظهر.
وقوله: {إِلَّا اللَّهَ} قيل: هو استثناء متصل، بناء على أنهم كانوا يعبدون الله والأصنام. وقيل: هو استثناء منقطع بناء على القول بأنهم كانوا لا يعبدون إلا الأصنام، ولا يعرفون الله ولا يعبدونه.
وقوله: {مِرْفَقًا} أي: ما ترتفقون به أي تنتفعون به. وقرأه نافع وابن عامر بفتح الميم وكسر الفاء مع تفخيم الراء. وقرأه باقي السبعة بكسر الميم وفتح الفاء وترقيق الراء، وهما قراءتان ولغتان فيما يرتفق به، وفي عضو الإنسان المعروف. وأنكر الكسائي في "المرفق" -بمعنى عضو الإنسان- فتحَ الميم وكسرَ الفاء، وقال: هو بكسر الميم وفتح الفاء، ولا يجوز غير ذلك.
وزعم ابن الأنباري أن {مِنْ} في قوله: {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ} بمعنى البدلية، أي: يهيئ لكم بدلًا من {أَمْرِكُمْ} الصعب مرفقا. وعلى هذا الذي زعم آيات
(1)
كقوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} أي: بدلًا منها وعوضا عنها. ومن هذا المعنى قول الشاعر:
فليتَ لنا من ماء زمزم شربة
…
مبرَّدة باتت على طَهَيان
أي: بدلًا من ماء زمزم، والله تعالى أعلم.
(1)
المطبوعة: "غاية" أو: "فاية"!.