الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه، أي كانا غير جزءيه؛ فالقياس الجمع وفاقًا للفراء، كقولك: ما أخرجكما من بيوتكما، وإذا أويتما إلى مضاجعكما، وضرباه بأسيافهما، وسألتا عن إنفاقهما على أزواجهما، ونحو ذلك.
•
قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)}
.
المعصية خلف للطاعة، فقوله:{وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ} أي: لم يطعه في اجتناب ما نهاه عنه من قربان تلك الشجرة.
وقوله: {فَغَوَى (121)} الغي: الضلال، وهو الذهاب عن طريق الصواب. فمعنى الآية: لم يطع آدم ربه فأخطأ طريق الصواب بسبب عدم الطاعة. وهذا العصيان والغي بين الله جل وعلا في غير موضع من كتابه أن المراد به: أن الله أباح له أن يأكل هو وامرأته من الجنة رغدًا حيث شاءا، ونهاهما أن يقربا شجرة معينة من شجرها؛ فلم يزل الشيطان يوسوس لهما ويحلف لهما بالله إنه لهما لناصح، وإنهما إن أكلا منها نالا الخلود والملك الذي لا يبلى. فخدعهما بذلك كما نص الله على ذلك في قوله:{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} فأكلا منها، وكان بعض أهل العلم يقول: من خادعنا بالله خدعنا؛ وهو مروي عن عمر. وفي حديث أبي هريرة عند أبي داود والترمذي والحاكم: "المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم". وأنشد لذلك نفطويه:
إن الكريم إذا تشاء خدعتَه
…
وترى اللئيم مجرِّبًا لا يُخْدَع
فآدم عليه الصلاة والسلام ما صدرت منه الزلة إلا بسبب غرور إبليس له. وقد قدمنا قول بعض أهل العلم: إن آدم من شدة
تعظيمه لله اعتقد أنه لا يمكن أن يحلف به أحد وهو كاذب فأنساه حلف إبليس بالله العهد بالنهي عن الشجرة. وقول بعض أهل العلم: إن معنى قوله: {فَغَوَى} أي: فسد عليه عيشه بنزوله إلى الدنيا.
قالوا: والغي: الفساد، خلاف الظاهر، وإن حكاه النقاش واختاره القشيري واستحسنه القرطبي. وكذلك قول من قال:{فَغوَى} أي: بشم من كثرة الأكل. والبشم: التخمة، فهو قول باطل. وقال فيه الزمخشري في الكشاف: وهذا كان صح على لغة من يقلب الياء المكسورة ما قبلها ألفًا فيقول في فَنِي وبَقِي: فنا وبقا، وهم بنو طيء. تفسير خبيث، اهـ منه. وما أشار إليه الزمخشري من لغة طيئ معروف؛ فهم يقولون للجارية: جاراة، وللناصية: ناصاة، ويقولون في بقي: بقى، كرمى. ومن هذه اللغة قول الشاعر:
لعمرك لا أخشى التصعلك ما بقى
…
على الأرض قيسيّ يسوق الأباعرا
وهذه اللغة التي ذكرها الزمخشري لا حاجة لها في التفسير الباطل المذكور؛ لأن العرب تقول: غوى الفصيل كرضى وكرمى: إذا بشم من اللبن.
وقوله تعالى في هذه الآية: {وَعَصَى آدَمُ} يدل على أن معنى {فَغَوَى (121)} ضل عن طريق الصواب كما ذكرنا. وقد قدمنا أن هذه الآية الكريمة وأمثالها في القرآن هي حجة من قال بأن الأنبياء غير معصومين من الصغائر. وعصمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم مبحث أصولي لعلماء الأصول فيه كلام كثير واختلاف معروف،
وسنذكر هنا طرفًا من كلام أهل الأصول في ذلك. قال ابن الحاجب في مختصره في الأصول:
مسألة
الأكثر على أنه لا يمتنع عقلًا على الأنبياء معصية. وخالف الروافض، وخالف المعتزلة إلا في الصغائر؛ ومعتمدهم التقبيح العقلي. والإجماع على عصمتهم بعد الرسالة من تعمد الكذب في الأحكام؛ لدلالة المعجزة على الصدق. وجوزه القاضي غلطًا وقال: دلت على الصدق اعتقادًا. وأما غيره من المعاصي فالإجماع على عصمتهم من الكبائر والصغائر الخسيسة. والأكثر على جواز غيرهما. اهـ منه بلفظه.
وحاصل كلامه: عصمتهم من الكبائر، ومن صغائر الخسمة دون غيرها من الصغائر. وقال العلامة العلوي الشنقيطي في نشر البنود شرح مراقي السعود في الكلام على قوله:
والأنبياء عصموا مما نهوا
…
عنه ولم يكن لهم تفكه
بجائز بل ذاك للتشريع
…
أو نية الزلفى من الرفيع
ما نصه: فقد أجمع أهل الملل والشرائع كلها على وجوب عصمتهم من تعمد الكذب فيما دل المعجز القاطع على صدقهم فيه؛ كدعوى الرسالة، وما يبلغونه عن الله تعالى الخلائق. وصدور الكذب عنهم فيما ذكر سهوًا أو نسيانًا منعه الأكثرون. وما سوى الكذب في التبليغ؛ فإن كان كفرًا فقد أجمعت الأمة على عصمتهم منه قبل النبوة وبعدها، وإن كان غيره فالجمهور على
عصمتهم من الكبائر عمدًا. ومخالف الجمهور الحشوية.
واختلف أهل الحق: هل المانع لوقوع الكبائر منهم عمدًا العقل أو السمع؟ وأما المعتزلة فالعقل، وإن كان سهوًا فالمختار العصمة منها. وأما الصغائر عمدًا أو سهوًا؛ فقد جوزها الجمهور عقلًا؛ لكنها لا تقع منهم غير صغائر الخسة فلا يجوز وقوعها منهم لا عمدًا ولا سهوًا. انتهى منه.
وحاصل كلامه: عصمتهم من الكذب فيما يبلغونه عن الله ومن الكفر والكبائر وصغائر الخسة، وأن الجمهور على جواز وقوع الصغائر الأخرى منهم عقلًا؛ غير أن ذلك لم يقع فعلًا. وقال أبو حيان في البحر في سورة "البقرة": وفي المنتخب للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسى ما ملخصه: منعت الأمة وقوع الكفر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إلا الفضيلية من الخوارج قالوا: وقد وقع منهم ذنوب، والذنب عندهم كفر. وأجاز الإمامية إظهار الكفر منهم على سبيل التقية. واجتمعت الأمة على عصمتهم من الكذب والتحريف فيما يتعلق بالتبليغ، فلا يجوز عمدًا ولا سهوًا. ومن الناس من جوز ذلك سهوًا. وأجمعوا على امتناع خطئهم في الفتيا عمدًا. واختلفوا في السهو. وأما أفعالهم فقالت الحشوية: يجوز وقوع الكبائر منهم على جهة العمد. وقال أكثر المعتزلة: بجواز الصغائر عمدًا إلا في القول كالكذب. وقال الجبائي: يمتنعان عليهم إلا على جهة التأويل. وقيل: يمتنعان عليهم إلا على جهة السهو والخطأ، وهم مأخوذون بذلك وإن كان موضوعًا عن أمتهم. وقالت الرافضة: يمتنع ذلك على كل جهة.
واختلف في وقت العصمة؛ فقالت الرافضة: من وقت مولدهم. وقال كثير من المعتزلة: من وقت النبوة. والمختار عندنا أنه لم يصدر عنهم ذنب حالة النبوة البتة لا للكبيرة ولا الصغيرة؛ لأنهم لو صدر عنهم الذنب لكانوا أقل درجة من عصاة الأمة لعظيم شرفهم وذلك محال، ولئلا يكونوا غير مقبولي الشهادة، ولئلا يجب زجرهم وإيذاؤهم، ولئلا يقتدى بهم في ذلك، ولئلا يكونوا مستحقين للعقاب، ولئلا يفعلوا ضد ما أمروا به لأنهم مصطفون، ولأن إبليس استثناهم في الإغواء. انتهى ما لخصناه من المنتخب، والقول في الدلائل لهذه المذاهب. وفي إبطال ما ينبغي إبطاله منها مذكور في كتب أصول الدين. انتهى كلام أبي حيان.
وحاصل كلام الأصوليين في هذه المسألة: عصمتهم من الكفر وفي كل ما يتعلق بالتبليغ، ومن الكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة وتطفيف حبة. وأن أكثر أهل الأصول على جواز وقوع للصغائر غير صغائر الخسة منهم. ولكن جماعة كثيرة من متأخري الأصوليين اختاروا أن ذلك وإن جاز عقلًا لم يقع فعلًا، وقالوا: إن ما جاء في الكتاب والسنة من ذلك إنما فعلوه بتأويل أو نسيانًا أو سهوًا، أو نحو ذلك.
قال مقيده -عفا الله عنه وغفر له-: الذي يظهر لنا أنه الصواب في هذه المسألة: أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لم يقع منهم ما يزرى بمراتبهم العلية، ومناصبهم السامية. ولا يستوجب خطأ منهم ولا نقصًا فيهم صلوات الله وسلامه عليهم، ولو فرضنا أنه وقع منهم بعض الذنوب إلا أنهم يتداركون ما وقع منهم بالتوبة، والإخلاص، وصدق الإنابة إلى الله حتى ينالوا بذلك