الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو نعيم في الحلية في ترجمة يونس بن عبيد عن الحسن عن أبي هريرة بهذا وأتم. وقال: تفرد به هشيم عن يونس، وعنه شعيب بن محمد الكوفي، ورواه ابن مردويه من هذا الوجه اهـ.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي} قال الحوفي وأبو البقاء: هو معطوف على قوله: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا} . قال أبو حيان في البحر: وفيه بعد الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالجملة التي هي {وَأَوْصَانِي} ومتعلقها؛ والأولى أنه منصوب بفعل مضمر؛ أي: وجعلني برًّا بوالدتي. ولما قال: {بِوَالِدَتِي} ولم يقل بوالدي؛ عُلِم أنه أمر من قبل الله؛ كما ذكره القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقد قدمنا معنى "الجبار والشقي". وقال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: {شَقِيًّا (32)} أي خائبًا من الخير. ابن عباس: عاقًّا. وقيل عاصيًا لربه. وقيل: لم يجعلني تاركًا لأمره فأشقى كما شقى إبليس. اهـ كلام القرطبي.
تنبيه
احتج مالك رحمه الله بهذه الآية على القدرية. قال أبو عبد الله القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: قال مالك بن أنس رحمه الله تعالى في هذه الآية: ما أشدها على أهل القدر؛ أخبر عيسى عليه السلام بما قضى من أمره وبما هو كائن إلى أن يموت اهـ.
•
وقوله تعالى: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)}
.
اعلم أن هذا الحرف فيه قراءتان سبعيتان: قرأه نافع وابن كثير
وأبو عمرو وحمزة والكسائي: (قَوْلُ الحق) بضم اللام. وقرأه ابن عامر وعاصم: {قَوْلَ الْحَقِّ} بالنصب. والإشارة في قوله: {ذَلِكَ} راجعة إلى المولود المذكور في الآيات المذكورة قبل هذا. وقوله: {ذَلِكَ} مبتدأ و {عِيسَى} ، خبره، و {ابْنُ مَرْيَمَ} نعت لـ {عِيسَى} وقيل بدل منه. وقيل خبر بعد خبر.
وقوله: {قَوْلَ الْحَقِّ} على قراءة النصب مصدر مؤكد لمضمون الجملة. وإلى نحوه أشار ابن مالك بقوله في الخلاصة:
• والثاني كابنى أنت حقًّا صرفا*
وقيل: منصوب على المدح؛ وأما على قراءة الجمهور بالرفع (قَوْلُ الحق) خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو أي نسبته إلى أمه فقط قول الحق؛ قاله أبو حيان. وقال الزمخشري: وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر، أو بدل، أو خبر مبتدأ محذوف.
قال مقيده -عفا الله عنه وغفر له-: اعلم أن لفظة {الْحَقِّ} في قوله هنا: {قَوْلَ الْحَقِّ} فيها للعلماء وجهان:
الأول: أن المراد بالحق ضد الباطل بمعنى الصدق والثبوت؛ كقوله: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} وعلى هذا القول فإعراب قوله: {قَوْلَ الْحَقِّ} على قراءة النصب أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة كما تقدم. وعلى قراءة الرفع فهو خبر مبتدأ محذوف كما تقدم. ويدل لهذا الوجه قوله تعالى في "آل عمران" في القصة بعينها: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60)} .
الوجه الثاني: أن المراد بالحق في الآية الله جل وعلا؛ لأن
من أسمائه "الحق" كقوله: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)} ، وقوله:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} الآية. وعلى هذا القول فإعراب قوله تعالى: {قَوْلَ الْحَقِّ} على قراءة النصب أنه منصوب على المدح. وعلى قراءة الرفع فهو بدل من {عِيسَى} أو خبر بعد خبر، وعلى هذا الوجه فـ (قولُ الحق) هو {عِيسَى} كما سماه الله كلمة في قوله:{وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} ، وقوله:{إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ} الآية. وإنما سمى {عِيسَى} كلمة؛ لأن الله أوجده بكلمته التي هي {كُنْ} فكان؛ كما قال: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لَهُ كُنْ} . والقول والكلمة على هذا الوجه من التفسير بمعنى واحد.
وقوله: {الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)} أي: يشكون؛ فالامتراء افتعال من المرية وهي الشك. وهذا الشك الذي وقع للكفار نهى الله عنه المسلمين على لسان نبيهم في قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60)} وهذا القول الحق الذي أوضح الله به حقيقة الأمر في شأن عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بعد نزوله على نبينا صلى الله عليه وسلم، أمره ربه أن يدعو من حاجَّه في شأن عيسى إلى المباهلة؛ ثم أخبره أن ما قص عليه من خبر عيسى هو القصص الحق، وذلك في قوله تعالى:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} الآية. ولما نزلت ودعا النبي صلى الله عليه وسلم وفد نجران إلى المباهلة خافوا الهلاك وأدوا كما هو مشهور.