الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيره جل وعلا. وأشار إلى نحو هذا المعنى في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)} ولا شك أن الجواب الصحيح: لا يقدر على أن يأتينا به إلا الله وحده؛ كما قال هنا: {فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)} .
•
.
اعلم أن في هذه الآية الكريمة: قراءات سبعية، وأقوالًا لعلماء التفسير، بعضها يشهد له قرآن، وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن الآية قد تكون فيها مذاهب للعلماء، يشهد لكل واحد منها قرآن؛ فنذكر الجميع وأدلته في القرآن. فإذا علمت ذلك؛ فاعلم أن قوله في هذه الآية:{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ} قرأه السبعة ما عدا حمزة والكسائي بالتاء المثناة الفوقية. وقرأه حمزة والكسائي "ولم يكن له فئة" بالياء المثناة التحتية. وقوله: {الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} قرأه السبعة ما عدا حمزة والكسائي أيضًا: {الْوَلَايَةُ} بفتح الواو. وقرأه حمزة والكسائي بكسر الواو. وقوله: {الْحَقِّ} قرأه السبعة ما عدا أبا عمرو والكسائي بالخفض نعتًا {لِلَّهِ} وقرأه أبو عمرو والكسائي بالرفع نعتًا للولاية. فعلى قراءة من قرأ {الْوَلَايَةُ لِلَّهِ} بفتح الواو؛ فإن معناها: الموالاة والصلة، وعلى هذه القراءة ففي معنى الآية وجهان:
الأول: أن معنى {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ} أي في ذلك المقام، وتلك الحال تكون الولاية من كل أحد لله، لأن الكافر إذا رأى العذاب رجع إلى الله. وعلى هذا المعنى فالآية كقوله تعالى:
{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)} ، وقوله في فرعون:{حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَال آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)} ونحو ذلك من الآيات.
الوجه الثاني: أن الولاية في مثل ذلك المقام وتلك الحال لله وحده، فيوالي فيه المسلمين ولاية رحمة، كما في قوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا
…
} الآية، وقوله:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)} . وله على الكافرين ولاية الملك والقهر، كما في قوله:{وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)} .
وعلى قراءة حمزة والكسائي فـ (الولاية) بالكسر بمعنى الملك والسلطان، والآية على هذه القراءة كقوله:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)} ، وقوله: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ
…
} الآية، وقوله:{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَينَهُمْ} .
وعلى قراءة {الْحَقِّ} بالجر نعتًا لله، فالآية كقوله: {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ
…
} الآية، وقوله: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ
…
} الآية، وقوله:{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)} إلى غير ذلك من الآيات. وعلى قراءة {الْحَقُّ} بالرفع نعتًا للولاية، على أن الولاية بمعنى الملك، فهو كقوله: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ
…
} الآية.
وما ذكره جل وعلا عن هذا الكافر: من أنه لم تكن له فئة ينصرونه من دون الله، ذكر نحوه عن غيره من الكفار، كقوله في قارون: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)} ، وقوله:{فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)} ، والآيات بمثل هذا كثيرة جدًّا.
وقوله: {هُنَالِكَ} قال بعض العلماء: هو متعلق بما بعده، والوقف تام على قوله:{وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)} . وقال بعضهم: هو متعلق بما قبله، فعلى القول الأول فالظرف الذي هو {هُنَالِكَ} عامله ما بعده، أي الولاية كائنة لله هنالك. وعلى الثاني فالعامل في الظرف اسم الفاعل الذي هو {مُنْتَصِرًا} أي لم يكن انتصاره واقعًا هنالك. وقوله:{هُوَ خَيرٌ ثَوَابًا} أي جزاء كما تقدم. وقوله: {عُقْبًا} أي عاقبة ومآلًا. وقرأه السبعة ماعدا عاصمًا وحمزة {عُقُبًا} بضمتين. وقراءة عاصم وحمزة {عُقْبًا} بضم العين وسكون القاف والمعنى واحد. وقوله: {ثَوَابًا} وقوله: {عُقْبًا} كلاهما منصوب على التمييز بعد صيغة التفضيل التي هي {خَيرٌ} كما قال في الخلاصة:
والفاعلَ المعنى انصبَنْ بأفعلا
…
مُفَضِّلًا كأنتَ أعلى منزِلا
ولفظة "خير وشر" كلتاهما تأتي صيغة تفضيل حذفت منها الهمزة تخفيفًا لكثرة الاستعمال، قال ابن مالك في الكافية:
وغالبًا أغناهم خَير وشَرّ
…
عن قولهم أخيْرَ منه وأشَر
تنبيه
قوله في هذه الآية الكريمة: {فِئَةٌ} محذوف منه حرف بلا خلاف، إلا أن العلماء اختلفوا في الحرف المحذوف؛ هل هو ياء أو واو، وهل هو العين أو اللام؟ قال بعضهم: المحذوف العين،