الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرقوا بين العِوَج والعَوَج. فقالوا: العِوَج بالكسر في المعاني. والعَوَج بالفتح في الأعيان. والأرض عين، فكيف صح فيها المكسور العين؟.
قلت: اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة، ونفي الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون. وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسويتها، وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء من الفلاحة، واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط، ثم استطلعت رأي المهندس فيها، وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية لعثر فيها على عوج في غير موضع لا يدرك ذلك بحاسة البصر، ولكن بالقياس الهندسي، فنفى الله عز وجل ذلك العوج الذي دق ولطف عن الإدراك، اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة، وذلك الاعوجاج لِمَا لم يُدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني فقيل فيه: عِوج بالكسر، والأمت: النتوء اليسير، يقال: مد حبله حتى ما فيه أمت. انتهى منه. وقد قدمنا في أول سورة الكهف ما يغني عن هذا الكلام الذي ذكره، والعلم عند الله تعالى.
•
قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إلا هَمْسًا (108)}
.
قوله: {يَوْمَئِذ} أي: يوم إذ نسفت الجبال يتبعون الداعي. والداعي: هو الملك الذي يدعوهم إلى الحضور للحساب. قال بعض أهل العلم: يناديهم أيتها العظام النخرة، والأوصال المتفرقة، واللحوم المتمزقة، قومي إلى ربك للحساب والجزاء، فيسمعون
الصوت ويتبعونه. ومعنى {لَا عِوَجَ لَهُ} أي: لا يحيدون عنه، ولا يميلون يمينًا ولا شمالًا. وقيل: لا عوج لدعاء الملك عن أحد، أي: لا يعدل بدعائه عن أحد، بل يدعوهم جميعًا. وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من اتباعهم للداعي للحساب، وعدم عدولهم عنه = بيَّنه في غير هذا الموضعِ، وزاد أنهم يسرعون إليه، كقوله تعالى:{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} ، والإهطاع: الإسراع. وقوله تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} ، وقوله تعالى:{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} أي: خفضت وخفتت، وسكنت هيبةً لله، وإجلالًا وخوفًا {فَلَا تَسْمَعُ} في ذلك اليوم صوتًا عاليًا، بل لا تسمع {إلا هَمْسًا (108)} أي: صوتًا خفيًّا خافتًا من شدة الخوف. أو {إلا هَمْسًا (108)} أي إلا صوت خفق الأقدام ونقلها إلى المحشر. والهمس يطلق في اللغة على الخفاء، فيشمل خفض الصوت وصوت الأقدام؛ كصوت أخفاف الإبل في الأرض التي فيها يابس النبات، ومنه قوله الراجز:
وهنَّ يمشين بنا هميسَا
…
إن تصدق الطير ننك لميسَا
وما ذكره جل وعلا هنا أشار له في غير هذا الموضع، كقوله {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَينَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَال صَوَابًا (38)} .