الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولد الصلب، ومن ذلك قول أبي ذؤيب الهذلي:
فإن تك أنثى من معدٍّ كريمة
…
علينا فقد أعطيت نافلة الفضل
أي أعطيت الفضل عليها والزيادة في الكرامة علينا، كما هو التحقيق في معنى بيت أبي ذؤيب هذا، وكما شرحه به أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري في شرحه لأشعار الهذليين. وبه تعلم أن إيراد صاحب اللسان بيت أبي ذؤيب المذكور مستشهدًا به لأن النافلة الغنيمة غير صواب، بل هو غلط. مع أن الأنفال التي هي الغنائم راجعة في المعنى إلى معنى الزيادة؛ لأنها زيادة تكريم أكرم الله بها هذا النبي الكريم فأحلها له ولأمته. أو لأن الأموال المغنومة أموال أخذوها زيادة علي أموالهم الأصلية بلا تمن.
وقوله: {نَافِلَةً} فيه وجهان من الإعراب، فعلى قول من قال: النافلة العطية؛ فهو ما ناب عن المطلق من {وَوَهَبْنَا} أي وهبنا له إسحاق ويعقوب هبة. وعليه فالنافلة مصدر جاء بصيغة اسم الفاعل، كالعاقبة والعافية. وعلى أن النافلة بمعنى الزيادة فهو حال من {وَيَعْقُوبَ} أي وهبنا له يعقوب في حال كونه زيادة على إسحاق.
•
.
الضمير في قوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ} يشمل كل المذكورين: إبراهيم، ولوطًا، وإسحاق، ويعقوب، كما جزم به أبو حيان في البحر المحيط، وهو الظاهر.
وقد دلت هذه الآية الكريمة على أن الله جعل إسحاق ويعقوب من الأئمة، أي جعلهم رؤساء في الدين يقتدى بهم في الخيرات وأعمال الطاعات وقوله:{بِأَمْرِنَا} أي بما أنزلنا عليهم من الوحي والأمر والنهي، أو يهدون الناس إلى ديننا بأمرنا إياهم، بإرشاد الخلق ودعائهم إلى التوحيد.
وهذه الآية الكريمة تبين أن طلب إبراهيم الإمامة لذريته المذكور في سورة "البقرة" أجابه الله فيه بالنسبة إلى بعض ذريته دون بعضها، وضابط ذلك: أن الظالمين من ذريته لا ينالون الإمامة بخلاف غيرهم؛ كإسحاق ويعقوب فإنهم ينالونها كما صرح به تعالى في قوله هنا: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} . وطلب إبراهيم هو المذكور في قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَال إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَال وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَال لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)} . فقوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} أي وإجعل من ذريتي أئمة يقتدى بهم في الخير؛ فأجابه الله بقوله: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} أي لا ينال الظالمين عهدي بالإمامة؛ على الأصوب. ومفهوم قوله: {الظَّالِمِينَ} أن غيرهم يناله عهده بالإمامة، كما صرح به هنا. وهذا التفصيل المذكور في ذرية إبراهيم أشار له تعالى في "الصافات" بقهوله:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)} وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَأَوْحَينَا إِلَيهِمْ فِعْلَ الْخَيرَاتِ} أي أن يفعلوا الطاعات، ويأمروا الناس بفعلها. وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة من جملة الخيرات، فهو من عطف الخاص على العام. وقد قدمنا مرارًا النكتة البلاغية المسوغة للإطناب في عطف الخاص على العام. وعكسه في القرآن. فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وقوله: {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)} أي مطيعين باجتناب النواهي وامتثال الأوامر بإخلاص؛ فهم يفعلون ما يأمرون الناس به، ويجتنبون ما ينهونهم عنه؛ كما قال نبي الله شعيب:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} الآية. وقوله: {أَئِمَّةً} معلوم أنه جمع إمام. والإمام: هو المقتدى به، ويطلق في الخير كما هنا، وفي الشر كما في قوله:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} الآية. وما ظنه الزمخشري من الإشكال في هذه الآية ليس بواقع؛ كما نبه عليه أبو حيان. والعلم عند الله تعالى.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَإِقَامَ الصَّلَاةِ} لم تعوض هنا تاء عن العين الساقطة بالاعتلال على القاعدة التصريفية المشهورة؛ لأن عدم تعويضها عنه جائز كما هنا، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله:
..........................
…
وألِفَ الإفعالِ واسْتِفْعال
أزِل لِذا الإعلالِ والتا الْزَمْ عِوَض
…
وحذفُها بالنقلِ رُبَّما عَرَض
وقد أشار في أبنية المصادر إلى أن تعويض التاء المذكورة من العين هو الغالب بقوله:
واستعِذِ استعاذةً ثمَّ أَقِمْ
…
إقامةً وغالبًا ذا التَّا لَزِمْ
وما ذكرناه من أن التاء المذكورة عوض عن العين أجود من قول من قال: إن العين باقية وهي الألف الباقية، وأن التاء عوض عن ألف الإفعال.
• قوله تعالى: {وَلُوطًا آتَينَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّينَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ
الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)}.
قوله: {وَلُوطًا} منصوب بفعل مضمر وجوبًا يفسره آتيناه؛ كما قال في الخلاصة:
فالسابق انصبه بفعلٍ أُضْمرا
…
حتمًا موافق لما قد أُظْهِرا
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: الحكم: النبوة، والعلم: المعرفة بأمر الدين، وما يقع به الحكم بين الخصوم. وقيل: علمًا فهمًا، وقال الزمخشري: حكمًا: حكمة، وهو ما يجب فعله، أو فصلًا بين الخصوم، وقيل: هو النبوة.
قال مقيده -عفا الله عنه-: أصل الحكم في اللغة: المنع كما هو معروف. فمعنى الآيات: أن الله آتاه من النبوة والعلم ما يمنع أقواله وأفعاله من أن يعتريها الخلل. والقرية التي كانت تعمل الخبائث: هي سدوم وأعمالها، والخبائث التي كانت تعملها جاءت موضحة في آيات من كتاب الله:(منها) اللواط، وأنهم هم أول من فعله من الناس، كما قال تعالى:{أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالمِينَ (80)} ، وقال:{أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)} . ومن الخبائث المذكورة إتيانهم المنكر في ناديهم، وقطعهم الطريق، كما قال تعالى:{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَال وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} الآية. ومن أعظم خبائثهم: تكذيب نبي الله لوط وتهديدهم له بالإخراج من الوطن؛ كما قال تعالى عنهم: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَالُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167)} ، وقال تعالى: {فَمَا