الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقوله: {وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)} أي: لا تضعفا ولا تفترا في ذكري. وقد أثنى الله على من يذكره في جميع حالاته في قوله: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} ، وأمر بذكر الله عند لقاء العدو في قوله:{إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} كما تقدم إيضاحه.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره هذه الآية الكريمة: والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله في حال مواجهة فرعون؛ ليكون ذكر الله عونًا لهما عليه، وقوة لهما وسلطانًا كاسرًا له، كما جاء في الحديث:"إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قِرْنه" اهـ منه.
وقال بعض أهل العلم: {وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)} لا تزالا في ذكري، واستشهد لذلك بقول طرفة:
كأن القدور الراسيات أمامهم
…
قباب بنوها لا تني أبدًا تغلي
أي لا تزال تغلي. ومعناه راجع إلى ما ذكرنا. والعلم عند الله تعالى.
•
قوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)}
.
أمر الله جل وعلا نبيه موسى وهارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام: أن يقولا لفرعون في حال تبليغ رسالة الله إليه {قَوْلًا لَيِّنًا} أي: كلامًا لطيفًا سهلًا رقيقًا، ليس فيه ما يغضب وينفر. وقد بين جل وعلا المراد بالقول اللين في هذه الآية بقوله:{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)} وهذا
والله غاية لين الكلام ولطافته ورقته كما ترى. وما أمر به موسى وهارون في هذه الآية الكريمة أشار له تعالى في غير هذا الموضع، كقوله {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .
مسألة
يؤخذ من هذه الآية الكريمة: أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون بالرفق واللين؛ لا بالقسوة والشدة والعنف. كما بيناه في سورة "المائدة" في الكلام على قوله تعالى: {عَلَيكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية. وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: قال يزيد الرقاشي عند قوله: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} : يا من يتحَبَّب إلى من يعاديه، فكيف بمن يتولاه ويناديه؟ اهـ ولقد صدق من قال:
ولو أنَّ فرعون لمَّا طغى
…
وقال على الله إفكًا وزورا
أناب إلى الله مستغفرَا
…
لما وجدَ اللهَ إلا غفورا
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} قد قدمنا قول بعض العلماء: إن "لعل" في القرآن بمعنى التعليل، إلا التي في سورة "الشعراء":{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)} فهي بمعنى كأنكم. وقد قدمنا أيضًا أن "لعل" تأتي في العربية للتعليل؛ ومنه قوله:
فقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا
…
نكف ووثَّقتم لنا كل موثق
فلما كَفَفْنا الحرب كانت عهودكم
…
كشبه سراب بالفلا متألق
فقوله: "لعلنا نكف" أي لأجل أن نكف.