الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في سورة "بني إسرائيل" في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} فأغنى ذلك عن إعادته هنا. وقد عرف في تاريخ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أنهم كانوا يسعون في التقدم في جميع الميادين مع المحافظة على طاعة خالق السموات والأرض جل وعلا.
وأظهر الأقوال عندي في معنى العهد في قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)} أن المعنى: أم أعطاه الله عهدًا أنه سيفعل له ذلك، بدليل قوله تعالى في نظيره في سورة "البقرة":{قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ} . وخير ما يفسره به القرآن القرآن. وقيل: العهد المذكور: العمل الصالح. وقيل: شهادة أن لا إله إلا الله.
•
قوله تعالى: {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)}
.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه سيكتب ما قاله ذلك الكافر افتراء عليه، من أنه يوم القيامة يؤتى مالًا وولدًا مع كفره بالله، وأنه يمد له من العذاب مدًّا. قال القرطبي في تفسير قوله تعالى:{وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79)} : أي يزيده عذابًا فوق عذاب. وقال الزمخشري في الكشاف: {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79)} أي نطول له من العذاب ما يستأهله؛ ونعذبه بالنوع الذي يعذب به المستهزئون، أو نزيده من العذاب ونضاعف له من المدد، يقال: مده وأمده بمعنى. وتدل عليه قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ونُمِدّ له) بالضم وأكد ذلك بالمصدر. وذلك من فرط غضب الله، نعوذ به
من التعرض لما يستوجب غضبه اهـ.
وأصل المدد لغة: الزيادة، ويدل لذلك المعنى قوله تعالى في أكابر الكفار الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله:{زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} ، وقوله في الأتباع والمتبوعين:{قَال لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38)} .
وقوله في هذه الآية: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي ما يقول إنه يؤتاه يوم القيامة من مال وولد، أي نسلبه منه في الدنيا ما أعطيناه من المال والولد بإهلاكنا إياه. وقيل: نحرمه ما تمناه من المال والولد في الآخرة، ونجعله للمسلمين. ويدل للمعنى الأول قوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيهَا وَإِلَينَا يُرْجَعُونَ (40)} ، {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)} كما تقدم إيضاحه في هذه السورة الكريمة.
وقوله: {وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)} أي منفردا لا مال له ولا ولد ولا خدم ولا غير ذلك، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ .. } الآية، وقال تعالى:{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} كما تقدم إيضاحه.
فإن قيل: كيف عبر جل وعلا في هذه الآية الكريمة بحرف التنفيس الدال على الاستقبال في قوله: {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} مع أن ما يقوله الكافر يكتب بلا تأخير؛ بدليل قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} ؟.
فالجواب: أن الزمخشري في كشافه تعرض للجواب عن هذا السؤال بما نصه: قلت فيه وجهان: أحدهما: سنظهر له ونعلمه أنا