الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي أنزلها على رسوله، وإنذاره لهم هزؤا، أي سخرية واستخفافًا، والمصدر بمعنى اسم المفعول، أي اتخذوها مهزوءًا بها مستخفًا بها؛ كقوله:{إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)} .
وهذا المعنى المذكور هنا جاء مبينًا في آيات كثيرة، كقوله تعالى:{وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا} ، وكقوله تعالى:{يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)} ، وقوله تعالى:{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10)} ، وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
…
} الآية، إلى غير ذلك من الآيات. و"ما" في قوله:{وَمَا أُنْذِرُوا} مصدرية، كما قررنا، وعليه فلا ضمير محذوف. وقيل هي موصولة والعائد محذوف. تقديره: وما أنذروا به هزؤا. وحذف العائد المجرور بحرف إنما يطرد بالشروط التي ذكرها في الخلاصة بقوله:
كذا الذي جُرَّ بما الموصولَ جَرْ
…
كمُرَّ بالذي مَرَرْتُ فهو بَرْ
وفي قوله: {هُزُوًا (56)} ثلاث قراءات سبعية، قرأه حمزة بإسكان الزاي في الوصل. وبقية السبعة بضم الزاي وتحقيق الهمزة. إلا حفصًا عن عاصم فإنه يبدل الهمزة واوًا، وذلك مروي عن حمزة في الوقف.
•
قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}
.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه لا أحد أظلم، أي:
أكثر ظلمًا لنفسه (ممن ذُكِّر) أي: وُعِظ بآيات ربه، وهي هذا القرآن العظيم {فَأَعْرَضَ عَنْهَا} أي تولى وصد عنها. وإنما قلنا: إن المراد بالآيات هذا القرآن العظيم لقرينة تذكير الضمير العائد إلى الآيات في قوله: {أَنْ يَفْقَهُوهُ} ، أي القرآن المعبر عنه بالآيات. ويحتمل شمول الآيات للقرآن وغيره، ويكون الضمير في قوله:{أَنْ يَفْقَهُوهُ} أي ما ذكر من الآيات، كقول رؤبة:
فيها خطوط من سواد وبَلَق
…
كأنه في الجلد توليع البَهَق
ونظير ذلك في القرآن قوله تعالى: {قَال إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَينَ ذَلِكَ} أي ذلك الذي ذكر من الفارض والبكر. ونظيره من كلام العرب قول ابن الزَّبَعْرَى:
إنَّ للخير وللشر مدى
…
وكلا ذلك وجه وقبل
أي: كلا ذلك المذكور من خير وشر. وقد قدمنا إيضاح هذا. وقوله: {وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} أي من المعاصي والكفر، مع أن الله لم ينسه بل هو محصيه عليه ومجازيه، كما قال تعالى:{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ (6)} ، وقال تعالى:{وَمَا نَتَنَزَّلُ إلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَينَ أَيدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَينَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)} ، وقال تعالى:{قَال عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)} . وقال بعض العلماء في قوله: {وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} أي تركه عمدًا ولم يتب منه. وبه صدر القرطبي رحمه الله تعالى. وما ذكره في هذه الآية الكريمة من أن الإعراض عن التذكرة بآيات الله من أعظم الظلم، قد زاد عليه في مواضع أخر بيان أشياء من النتائج السيئة، والعواقب الوخيمة
الناشئة عن الإعراض عن التذكرة. فمن نتائجه السيئة: ما ذكره هنا من أن صاحبه من أعظم الناس ظلمًا. ومن نتائجه السيئة جعل الأكنة على القلوب حتى لا تفقه الحق، وعدم الاهتداء أبدًا كما قال هنا مبينا بعض ما ينشأ عنه في العواقب السيئة:{إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)} . ومنها انتقام الله جل وعلا من المعرض عن التذكرة، كما قال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)} . ومنها كون المعرض كالحمار، كما قال تعالى:{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) .. } الآية. ومنها الإنذار بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، كما قال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)
…
} الآية. ومنها المعيشة الضنك والعمى، كما قال تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} . ومنها سلكه العذاب الصعد، كما قال تعالى:{وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)} ومنها تقييض القرناء من الشياطين، كما قال تعالى:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)} ، إلى غير ذلك من النتائج السيئة، والعواقب الوخيمة الناشئة عن الإعراض عن التذكير بآيات الله جل وعلا. وقد أمر تعالى في موضع آخر بالإعراض عن المتولي عن ذكره، القاصر نظره على الحياة الدنيا. وبين أن ذلك هو مبلغه من العلم، فلا علم عنده بما ينفعه في معاده، وذلك في قوله تعالى:{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} . وقد نهى جل وعلا عن طاعة مثل ذلك المتولي عن الذكر الغافل عنه في قوله: {وَلَا تُطِعْ مَنْ