الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)}، وقوله تعالى:{فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إلا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)} ؛ وقوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)} إلى غير ذلك من الآيات.
•
قوله تعالى: {قَال فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى (49) قَال رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)}
.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن موسى وهارون لما بلَّغا فرعون ما أُمِرا بتبليغه إياه قال لهما: من ربكما الذي تزعمان أنه أرسلكما إليَّ!؟ زاعمًا أنه لا يعرفه؛ وأنه لا يعلم لهما إلهًا غير نفسه، كما قال:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيرِي} ، وقال:{لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)} . وبين جل وعلا في غير هذا الموضع أن قوله: {فَمَنْ رَبُّكُمَا} تجاهلُ عارفٍ بأنه عبد مربوب لرب العالمين، وذلك في قوله تعالى:{قَال لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} الآية، وقوله:{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} كما تقدم إيضاحه. وسؤال فرعون عن رب موسى، وجواب موسى له جاء موضحًا في سورة "الشعراء" بأبسط مما هنا، وذلك في قوله:{قَال فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالمِينَ (23) قَال رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَينَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَال لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَال رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَال إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَال رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَينَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَال لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَال أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُبِينٍ (30) قَال فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33)} إلى آخر القصة.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {قَال رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} فيه للعلماء أوجه لا يَكذِّب بعضها بعضًا، وكلها حق، ولا مانع من شمول الآية لجميعها. منها: أن معنى: {أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} أنه أعطى كل شيء نظير خلقه في الصورة والهيئة، كالذكور من بني آدم أعطاهم نظير خلقهم من الإناث أزواجًا. وكالذكور من البهائم أعطاها نظير خلقها في صورتها وهيئتها من الإناث أزواجًا؛ فلم يعط الإنسان خلاف خلقه فيزوجه بالإناث من البهائم، ولا البهائم بالإناث من الإنس، ثم هدى الجميع لطريق المنكح الذي منه النسل والنماء، كيف يأتيه، وهدى الجميع لسائر منافعهم من المطاعم والمشارب وغير ذلك.
وهذا القول مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق علي بن أبي طلحة، وعن السدي وسعيد بن جبير، وعن ابن عباس أيضًا {ثُمَّ هَدَى (50)} أي هداه إلى الألفة والاجتماع والمناكحة.
وقال بعض أهل العلم {أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} أي: أعطى كل شيء صلاحه ثم هداه إلى ما يصلحه، وهذا مروي عن الحسن وقتادة.
وقال بعض أهل العلم {أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} : أي أعطى كل شيء صورته المناسبة له؛ فلم يجعل الإنسان في صورة البهيمة، ولا البهيمة في صورة الإنسان، ولكنه خلق كل شيء على الشكل المناسب له فقدره تقديرًا، كما قال الشاعر:
وله في كل شيء خِلْقة
…
وكذاك الله ما شاء فعل
يعني بالخلقة: الصورة، وهذا القول مروي عن مجاهد
ومقاتل وعطية وسعيد بن جبير {ثُمَّ هَدَى (50)} كل صنف إلى رزقه وإلى زوجه.
وقال بعض أهل العلم {أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ} : أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به، كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع. وكذلك الأنف والرجل واللسان وغيرها، كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه. وهذا القول روى عن الضحاك. وعلى جميع هذه الأقوال المذكورة فقوله تعالى:{كُلَّ شَيءٍ} هو المفعول الأول لـ {أَعْطَى} ، و {خَلْقَهُ} هو المفعول الثاني.
وقال بعض أهل العلم: إن {خَلْقَهُ} هو المفعول الأول، و {كُلَّ شَيءٍ} هو المفعول الثاني. وعلى هذا القول فالمعنى: أنه تعالى أعطى الخلائق كل شيء يحتاجون إليه، ثم هداهم إلى طريق استعماله. ومعلوم أن المفعول من مفعولي باب كسا ومنه {أَعْطَى} في الآية لا مانع من تأخيره وتقديم المفعول الأخير إن أُمِنَ اللبس، ولم يحصل ما يوجب الجري على الأصل، كما هو معلوم في علم النحو. وأشار له في الخلاصة بقوله:
ويلزمُ الأصلُ لموجبٍ عرى
…
وتركُ ذاك الأصلِ حتمًا قد يُرَى
قال مقيده -عفا الله عنه-: ولا مانع من شمول الآية الكريمة لجميع الأقوال المذكورة؛ لأنه لا شك أن الله أعطى الخلائق كل شيء يحتاجون إليه في الدنيا، ثم هداهم إلى طريق الانتفاع به. ولا شك أنه أعطى كل صنف شكله وصورته المناسبة له، وأعطى