الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بهم. ومادة حاق يائية العين؛ بدليل قوله في المضارع: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلا بِأَهْلِهِ} ولا تستعمل هذه المادة إلا في إحاطة المكروه خاصة؛ فلا تقول: حاق به الخير بمعنى أحاط به. والأظهر في معنى الآية: أن المراد: وحاق بهم العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا ويستهزئون به. وعلى هذا اقتصر ابن كثير. وقال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: {فَحَاقَ} أي أحاط ودار {بِالَّذِينَ} كفروا و {سَخِرُوا مِنْهُمْ} وهزءوا بهم {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41)} أي جزاء استهزائهم. والأول أظهر، والعلم عند الله تعالى. والآية تدل على أن السخرية من الاستهزاء وهو معروف.
•
قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}
.
أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة: أن يقول للمعرضين عن ذكر ربهم: {مَنْ يَكْلَؤُكُمْ} أي من هو الذي يحفظكم ويحرسكم {بِاللَّيلِ} في حال نومكم {وَالنَّهَار} في حال تصرفكم في أموركم. والكِلاءة بالكسر: الحفظ والحراسة؛ يقال: اذهب في كِلاءة الله؛ أي في حفظه. واكتلأت منهم: احترست. ومنه قول ابن هرمة:
إن سُليمى والله يكلؤها
…
ضنَّت بشيءٍ ما كان يَرْزَؤها
وقول كعب بن زهير:
أنخت بعيري واكتلأت بعينه
…
وآمرت نفسي أيّ أمريَّ أفعلُ
و {مِنَ} في قوله: {مِنَ الرَّحْمَنِ} فيها للعلماء وجهان معروفان: أحدهما -وعليه اقتصر ابن كثير-: أن {مِنَ} هي التي
بمعنى بدل. وعليه فقوله: {مِنَ الرَّحْمَنِ} بدل الرحمن، يعني غيره. وأنشد ابن كثير لذلك قول الراجز:
جارية لم تلبس المرتّقا
…
ولم تذق من البقول الفُسْتقا
أي: لم تذق بدل البقول الفستق. وعد هذا القول فالآية كقوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} أي بدلها ونظير ذلك من كلام العرب قول الشاعر:
أخذوا المخاض من الفصيل غلبة
…
ظلمًا ويكتب للأمير أفيلا
يعني أخذوا في الزكاة المخاض بدل الفصيل. والوجه الثاني: أن المعنى {مَنْ يَكْلَؤُكُمْ} أي يحفظكم {مِنَ الرَّحْمَنِ} أي من عذابه وبأسه. وهذا هو الأظهر عندي. ونظيره من القرآن قوله تعالى: {فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيتُهُ} أي من ينصرني منه فيدفع عني عذابه.
والاستفهام في قوله تعالى: {مَنْ يَكْلَؤُكُمْ} قال أبو حيان في البحر: هو استفهام تقريع وتوبيخ. وهو عندي يحتمل الإنكار والتقرير؛ فوجه كونه إنكاريًّا أن المعنى: لا كالئ لكم يحفظكم من عذاب الله ألبتة إلا الله تعالى؛ أي فكيف تعبدون غيره؟! ووجه كونه تقريريًّا أنهم إذا قيل لهم: من يكلؤكم؟ اضطروا إلى أن يقروا بأن الذي يكلؤهم هو الله؛ لأنهم يعلمون أنه لا نافع ولا ضار إلا هو تعالى، ولذلك يخلصون له الدعاء عند الشدائد والكروب، ولا يدعون معه غيره، كما قدمنا الآيات الموضحة لذلك في سورة "الإسراء" وغيرها. فإذا أقروا بذلك توجه إليهم التوبيخ والتقريع،