الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله في هذه الآية الكريمة: {لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} الآية. قد أوضحنا الآيات الدالة عليه في سورة "الكهف" وغيرها فأغنى ذلك عن إعادته هنا. وأظهر الأقوال في قوله: {لُدًّا} أنه جمع الألد، وهو شديد الخصومة؛ ومنه قوله تعالى:{وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)} ، وقول الشاعر:
أبيتُ نجيًّا للهموم كأنني
…
أخاصم أقوامًا ذوي جدل لُدَّا
•
قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)}
.
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا} في هذه الآية الكريمة هي الخبرية، وهي في محل نصب لأنها مفعول {أَهْلَكْنَا} ؛ و {مِنَ} هي المبينة لـ {وَكَمْ} كما تقدم إيضاحه.
وقوله: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} أي هل ترى أحدًا منهم، أو تشعر به، أو تجده {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)} أي صوتًا. وأصل الركز: الصوت الخفي؛ ومنه ركز الرمح: إذا غيب طرفه وأخفاه في الأرض. ومنه الركاز: وهو دفن جاهلي مغيب بالدفن في الأرض. ومن إطلاق الركز على الصوت قول لبيد في معلقته:
فتوجست رِكْز الأنيس فراعها
…
عن ظهر غيب والأنيسُ سَقامها
وقول طرفة في معلقته:
وصادقتا سَمْع التوجّس للسُّرى
…
لرِكْز خفيٍّ أو لصوت مندد
وقول ذي الرمة:
إذا توجس رِكزًا مقفر ندس
…
بنبأة الصوت ما في سمعه كذب
والاستفهام في قوله: {هَلْ} يراد به النفي. والمعنى: أهلكنا كثيرًا من الأمم الماضية فما ترى منهم أحد ولا تسمع لهم صوتًا. وما ذكره في هذه الآية من عدم رؤية أشخاصهم، وعدم سماع أصواتهم؛ ذكر بعضه في غير هذا الموضع؛ كقوله في عاد:{فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)} ، وقوله فيهم:{فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إلا مَسَاكِنُهُمْ} ، وقوله:{فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاويَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)} ، إلى غير ذلك من الآيات.
* * *