الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد ذكره في غير هذا الموضع؛ كقوله في "الشعراء" عنهم في القصة بعينها: {قَالُوا لَا ضَيرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50)} ، وقوله في "الأعراف":{قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إلا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَينَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)} . وقوله: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} عائد الصلة محذوف، أي: ما أنت قاضيه لأنه مخفوض بالوصف، كما أشار له في الخلاصة بقوله:
كذاك حذف ما يوصف خفضا
…
كأنت قاضٍ بعد أمرٍ من قَضَى
ونظيره من كلام العرب قول سعد بن ناشب المازني:
ويصغر في عيني تلادي إذا انثنت
…
يميني بإدراك الذي كنت طالبا
أي: طالبه.
•
.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن فرعون لعنه الله لما قال للسحرة ما قال لما آمنوا، قالوا له:{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا} يعنون ذنوبهم السالفة كالكفر وغيره من المعاصي {وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيهِ مِنَ السِّحْرِ} أي: ويغفر لنا ما أكرهتنا عليه من السحر. وهذا الذي ذكره عنهم هنا أشار له في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى في "الشعراء" عنهم: {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)} ، وقوله عنهم في "الأعراف":{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَينَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)} .
وفي آية "طه" هذه سؤال معروف، وهو أن يقال: قولهم:
{وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيهِ مِنَ السِّحْرِ} يدل على أنه أكرههم عليه، مع أنه دلت آيات أخر على أنهم فعلوه طائعين غير مكرهين، كقوله في "طه":{فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَينَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)} ، فقولهم:{فَأَجْمِعُوا كَيدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} صريح في أنهم غير مكرهين، وكذلك قوله عنهم في "الشعراء":{ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَال نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)} ، وقوله في "الأعراف":{قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَال نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)} فتلك الآيات تدل على أنهم غير مكرهين.
وللعلماء عن هذا السؤال أجوبة معروفة:
منها: أنه أكرههم على الشخوص من أماكنهم ليعارضوا موسى بسحرهم، فلما أكرهوا على القدوم وأمروا بالسحر أتوه طائعين، فإكراههم بالنسبة إلى أول الأمر، وطوعهم بالنسبة إلى آخر الأمر، فانفكت الجهة وبذلك ينتفي التعارض، ويدل لهذا قوله:{وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)} ، وقوله:{وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)} .
ومنها: أنه كان يكرههم على تعليم أولادهم السحر في حال صغرهم، وأن ذلك هو مرادهم بإكراههم على السحر. ولا ينافي ذلك أنهم فعلوا ما فعلوا من السحر بعد تعلمهم وكبرهم طائعين.
ومنها: أنهم فعلوا لفرعون: أرنا موسى نائمًا: ففعل فوجدوه تحرسه عصاه، فقالوا: ما هذا بسحر الساحر؛ لأن الساحر إذا نام
بطل سحره؛ فأبى إلا أن يعارضوه، وألزمهم بذلك. فلما لم يجدوا بدًا من ذلك فعلوه طائعين. وأظهرها عندي الأول، والعلم عند الله تعالى.
وقوله: في هذه الآية الكريمة {خَطَايَانَا} جمع خطيئة، وهي الذنب العظيم: كالكفر ونحوه. والفعيلة تجمع على فعائل، والهمزة في فعائل مبدلة من الياء في فعيلة، ومثلها الألف والواو، كما أشار له في الخلاصة بقوله:
والمدُّ زِيد ثالثًا في الواحدِ
…
همزًا يُرَى في مِثْل كالقلائدِ
فأصل خطايا: خطايئ بياء مكسورة، وهي ياء خطيئة، وهمزة بعدها هي لام الكلمة. ثم أبدلت الياء همزة على حد الإبدال في صحائف! فصارت "خطائئ" بهمزتين، ثم أبدلت الثانية ياء للزوم إبدال الهمزة المتطرفة بعد الهمزة المكسورة ياء، فصارت "خطائي"، ثم فتحت الهمزة الأولى تخفيفًا فصار "خطاءي"، ثم أبدلت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار "خطاءًا" بألفين بينهما همزة، والهمزة تشبه الألف؛ فاجتمع شبه ثلاثة ألفات، فأبدلت الهمزة ياء فصار "خطايا" بعد خمسة أعمال، وإلى ما ذكرنا أشار في الخلاصة بقوله:
وافتحْ ورُدَّ الهمز يا فيما أُعِلْ
…
لامًا وفي مِثْل هراوةٍ جُعِلْ
واوًا
…
إلخ.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {وَاللَّهُ خَيرٌ وَأَبْقَى} ظاهره المتبادر منه: أن المعنى خير من فرعون وأبقى منه؛ لأنه باق لا يزول