الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستطيعون السمع في أول سورة "هود" في الكلام على قوله تعالى: {يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)} فأغنى عن إعادته هنا. وقد بينا أيضًا طرفًا من ذلك في الكلام على قوله تعالى في هذه السورة الكريمة: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} وقد بين تعالى في موضع آخر: أن الغطاء المذكور الذي يعشو بسببه البصر عن ذكره تعالى يقيض الله لصاحبه شيطانًا فيجعله له قرينًا؛ وذلك في قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) .. } الآية.
•
.
الهمزة في قوله تعالى: {أَفَحَسِبَ} للإنكار والتوبيخ. وفي الآية حذف دل المقام عليه. قال بعض العلماء: تقدير المحذوف هو: أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء، ولا أعاقبهم العقاب الشديد؟ كلا!! بل سأعاقبهم على ذلك العقاب الشديد؛ بدليل قوله تعالى بعده:{إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)} وقال بعض العلماء: تقديره. أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء، وأن ذلك ينفعهم. كلا! لا ينفعهم بل يضرهم. ويدل لهذا قوله تعالى عنهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ، وقوله عنهم:{وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} . ثم إنه تعالى بين بطلان ذلك بقوله: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)} ، وما أنكره عليهم هنا من ظنهم أنهم يتخذون من دونه أولياء من عباده ولا يعاقبهم؛ أو أن ذلك ينفعهم؛ جاء مبينًا في مواضع، كقوله في أول
سورة "الأعراف": {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ .. } الآية. فقد نهاهم عن اتباع الأولياء من دونه في هذه الآية؛ لأنه يضرهم ولا ينفعهم، وأمثال ذلك كثيرة في القرآن من الأدلة على أنه لا ولي مني دون الله لأحد، وإنما الموالاة في الله، كقوله:{أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} الآية، وقوله:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)} ، وقوله:{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ .. } الآية، وقوله:{وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ .. } الآية، وقوله:{وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ} الآية، ونحو ذلك من الآيات. وسيأتي له قريبًا إن شاء الله تعالى زيادة إيضاح وأمثلة.
والأظهر المتبادر من الإضافة في قوله: {عِبَادِي} أن المراد بهم نحو الملائكة وعيسى وعزير، لا الشياطين ونحوهم، لأن مثل هذه الإضافة للتشريف غالبًا. وقد بين تعالى: أنهم لا يكونون أولياء لهم في قوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ .. } الآية، وقوله:{إِنَّا أَعْتَدْنَا} قد أوضحنا معناه في قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا .. } الآية، فأغنى عن إعادته هنا. وفي قوله:{نُزُلًا (102)} أوجه من التفسير للعلماء، أظهرها: أن "النزل" هو ما يقدم للضيف عند نزوله، والقادم عند قدومه. والمعنى: أن الذي يهيأ لهم من الإكرام عند قدومهم إلى ربهم هو جهنم المعدة لهم، كقوله:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24)} ، وقوله:{وَيُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} . وقد قدمنا شواهده العربية في الكلام على قوله تعالى: {وَيُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} لأن ذلك