الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من إبراهيم وموسى ونوح، فالقول الأول هو الصواب. وممن قال به ابن عباس وقتادة والسدي وابن أسلم وغيرهم. ويروى القول الثاني عن مجاهد وابن عباس أيضًا. وإذا علمت أن الصواب أن معنى قوله:{لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} أي: لم نسم أحدًا باسمه قبله؛ فاعلم أن قوله: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَينَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} معناه: أنه تعالى ليس له نظير ولا مماثل يساميه في العلو والعظمة والكمال على التحقيق. وقال بعض العلماء: وهو مروي عن ابن عباس {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} هل تعلم أحدًا يسمَّى باسمه الرحمن جل وعلا. والعلم عند الله تعالى.
•
قوله تعالى: {قَال رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)}
.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن زكريا لما بشر بيحيى قال: {قَال رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)} وهذا الذي ذكر أنه قاله هنا ذكره أيضًا في "آل عمران" في قوله: {قَال رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} . وقوله في هذه الآية الكريمة: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)} قرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {عِتِيًّا} بكسر العين اتباعًا للكسرة التي بعدها، ومجانسة للياء وقرأه الباقون (عُتِيًّا) بضمها على الأصل. ومعنى قوله:{وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)} أنه بلغ غاية الكبر في السن؛ حتى نحل عظمه ويبس. قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: يقول وقد عتوت من الكبر فصرت نحيل العظام يابسها؛ يقال منه للعود اليابس: عود عات وعاس. وقد عتا يعتو عتوًا وعتيًا. وعسا يعسو
عسيًا وعسوًا. وكل متناه إلى غاية في كبر أو فساد أو كفر فهو عات وعاس.
تنبيه
فإن قيل: ما وجه استفهام زكريا في قوله: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} مع علمه بقدرة الله تعالى على كل شيء.
فالجواب من ثلاثة أوجه قد ذكرناها في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في سورة "آل عمران" وواحد منها فيه بُعد، وإن رُويَ عن عكرمة والسدي وغيرهما.
الأول: أن استفهام زكريا استفهام استخبار واستعلام؛ لأنه لا يعلم هل الله يأتيه بالولد من زوجه العجوز على كبر سنهما على سبيل خرق العادة. أو يأمره بأن يتزوج شابة، أو يردهما شابين؟ فاستفهم عن الحقيقة ليعلمها. ولا إشكال في هذا، وهو أظهرها.
الثاني: أن استفهامه استفهام تعجب من كمال قدرة الله تعالى.
الثالث: وهو الذي ذكرنا أن فيه بعدًا هو ما ذكره ابن جرير عن عكرمة والسدي: من أن زكرياء لما نادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى، قال له الشيطان: ليس هذا نداء الملائكة، وإنما هو نداء الشيطان، فداخل زكرياء الشك في أن النداء من الشيطان، فقال عند ذلك الشك الناشئ عن وسوسة الشيطان قبل أن يتيقن أنه من الله:{أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} ولذا طلب الآية من الله على ذلك بقوله: {رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} الآية. وإنما قلنا: إن هذا القول فيه بعد لأنه لا يلتبس على زكرياء