الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنَّه الصَّحيح. وقوله: {مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} قال ابن عباس: أنا من ذلك القليل الذي يعلمهم، كانوا سبعة. وقوله:{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} فيه تعليم للنَّاس أن يردوا علم الأشياء إلى خالقها جل وعلا وإن علموا بها، كما أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بمدة لبثهم في قوله:{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)} ثم أمره مع ذلك برد العلم إليه جل وعلا في قوله جل وعلا: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. } الآية. وما قدمنا من أنَّه لا قائل برابع قاله ابن كثير أخذًا من ظاهر الآية الكريمة. مع أن ابن إسحاق وابن جريج قالا: كانوا ثمانية، والعلم عند الله تعالى.
•
قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}
.
نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول: إنَّه سيفعل شيئًا في المستقبل إلَّا معلقًا ذلك على مشيئة الله الذي لا يقع شيء في العالم كائنًا ما كان إلَّا بمشيئته جل وعلا، فقوله:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} أي: لا تقولن لأجل شيء تعزم على فعله في المستقبل: إنِّي فاعل ذلك الشيء غدًا. والمراد بالغد: ما يستقبل من الزمان لا خصوص الغد. ومن أساليب العربيَّة إطلاق الغد على المستقبل من الزمان؛ ومنه قول زهير:
وأعلمُ علم اليوم والأمس قبله
…
ولكنني عن علم ما في غدٍ عمِ
يعني أنَّه لا يعلم ما يكون في المستقبل، إذ لا وجه لتخصيص الغد المعين بذلك. وقوله:{إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} إلَّا قائلًا في ذلك: إلَّا أن يشاء الله؛ أي معلقًا بمشيئة الله. أو لا تقولنه إلَّا بإن شاء الله،
أي إلَّا بمشيئة الله. وهو في موضع الحال، يعني إلَّا متلبسًا بمشيئة الله قائلًا: إن شاء الله، قاله الزمخشري وغيره.
وسبب نزول هذه الآية الكريمة: أن اليهود قالوا لقريش: سلوا محمدًا "صلى الله عليه وسلم" عن الروح، وعن رجل طواف في الأرض (يعنون ذا القرنين)، وعن فتية لهم قصَّة عجيبة في الزمان الماضي (يعنون أصحاب الكهف). فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سأخبركم غدًا عما سألتم عنه" ولم يقل إن شاء الله، فلبث عنه الوحي مدة، قيل: خمس عشرة ليلة، وقيل غير ذلك. فأحزنه تأخر الوحي عنه، ثم أنزل عليه الجواب عن الأسئلة الثلاثة، قال في الروح:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي .. } الآية. وقال في الفتية: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ .. } الآيات إلى آخر قصتهم. وقال في الرجل الطواف: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) . .} الآيات إلى آخر قصته.
فإذا عرفت معنى هذه الآية الكريمة وسبب نزولها، وأن الله عاتب نبيه فيها على عدم قوله: إن شاء الله، لما قال لهم سأخبركم غدًا = فاعلم أنَّه دلت آية أخرى بضميمة بيان السنة لها على أن الله عاتب نبيه سليمان على عدم قوله: إن شاء الله، كما عاتب نبيه في هذه الآية على ذلك. بل فتنة سليمان بذلك كانت أشد؛ فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "قال سليمان ابن داود عليهما وعلى نبينا الصَّلاة والسلام: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة -وفي رواية تسعين امرأة، وفي رواية مائة امرأة- تلد كل امرأة منهن غلامًا يقاتل في