الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله هنا: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} الآية، قد قدمنا الآيات الموضحة لذلك في "مريم" وغيرها، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
•
قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)}
.
قوله: {وَعَنَتِ} أي: ذلَّت وخضعت؛ تقول العرب: عنا يعنو عنوًا أو عناء: إذ ذلَّ وخضع وخشع؛ ومنه قيل للأسير: عان؛ لذله وخضوعه لمن أسره. ومنه قول أمية بن أبي الصلت الثقفي:
مليك على عرش السماء مهيمن
…
لعزته تعنو الوجوه وتسجد
وقوله أيضًا:
وعنا له وجهي وخلقي كله
…
في الساجدين لوجهه مشكورا
واعلم أن العلماء اختلفوا في هذه الآية الكريمة، فقال بعضهم: المراد بالوجوه التي ذلت وخشعت للحي القيوم: وجوه العصاة خاصة وذلك يوم القيامة؛ وأسند الذل والخشوع لوجوههم؛ لأن الوجه تظهر فيه آثار الذل والخشوع. ومما يدل على هذا المعنى من الآيات القرآنية قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية، وقوله:{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)} ، وقوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} وعلى هذا القول اقتصر الزمخشري واستدل له ببعض الآيات المذكورة.
وقال بعض العلماء {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} : أي ذلت وخضعت وجوه المؤمنين لله في دار الدنيا، وذلك بالسجود والركوع. وظاهر القرآن يدل على أن المراد الذل والخضوع لله يوم القيامة؛ لأن
السياق في يوم القيامة، وكل الخلائق تظهر عليهم في ذلك اليوم علامات الذل والخضوع لله جل وعلا.
وقوله في هذه الآية: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} قال بعض العلماء: أي خسر من حمل شركًا. وتدل لهذا القول الآيات القرآنية الدالة على تسمية الشرك ظلمًا، كقوله:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ، وقوله:{وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)} وقوله: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)} ، وقوله:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} الآية، إلى غير ذلك من الآيات. والأظهر أن الظلم في قوله:{وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} يعم الشرك وغيره من المعاصي. وخيبة كل ظالم بقدر ما حمل من الظلم، والعلم عند الله تعالى.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} الحي: المتصف بالحياة الذي لا يموت أبدًا. والقيوم صيغة مبالغة، لأنه جل وعلا هو القائم بتدبير شئون جميع الخلق. وهو القائم على كل نفس بما كسبت. وقيل: القيوم الدائم الذي لا يزول.
• قوله تعالى. {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من يعمل من الصالحات وهو مؤمن بربه فإنه لا يخاف ظلمًا ولا هضمًا. وقد بين هذا المعنى في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَال ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} ، وقوله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)} ،