الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله تعالى في قوله: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} الآية.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من مننه المتتابعة على موسى حيث قال: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيكَ مَرَّةً أُخْرَى (37)} ؛ أشار إلى ما يشبهه في قوله: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114)} الآية.
•
قوله تعالى: {وَأَلْقَيتُ عَلَيكَ مَحَبَّةً مِنِّي}
.
من آثار هذه المحبة التي ألقاها الله على عبده ونبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: ما ذكره جل وعلا في "القصص" في قوله: {وَقَالتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَينٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ} الآية، قال ابن عباس {وَأَلْقَيتُ عَلَيكَ مَحَبَّةً مِنِّي}: أي أحبه الله وحببه إلى خلقه. وقال ابن عطية: جعل عليه مسحة من جمال؛ لا يكاد يصبر عنه من رآه. وقال قتادة: كانت في عيني موسى ملاحة، ما رآه أحد إلا أحبه وعشقه؛ قاله القرطبي.
•
.
اختلف في العامل الناصب للظرف الذي هو {إِذْ} من قوله: {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ} فقيل: هو {وَأَلْقَيتُ} أي ألقيت عليك محبة مني حين تمشي أختك. وقيل: هو {وَلِتُصْنَعَ} أي تصنع على عيني حين تمشي أختك. وقيل: هو بدل {إِذْ} في قوله: {إِذْ أَوْحَينَا إِلَى أُمِّكَ} .
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف يصح البدل والوقتان مختلفان متباعدان؟ قلت: كما يصح وإن اتسع الوقت وتباعد طرفاه
أن يقول لك الرجل: لقيت فلانًا سنة كذا. فتقول: وأنا لقيته إذ ذاك. وربما لقيه هو في أولها وأنت في آخرها.
وهذا الذي ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من كون أخته مشت إليهم، وقالت لهم:{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ} ؛ أوضحه جل وعلا في سورة "القصص" فبين أن أخته المذكورة مرسلة من قِبَل أمها لتتعرف خبره بعد ذهابه في البحر، وأنها أبصرته عن بعد وهم لا يشعرون بذلك. وأن الله حرم عليه المراضع غير أمه تحريمًا كونيًّا قدريًّا. فقالت لهم أخته:{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ} أي: على مرضع يقبل هو ثديها وتكفله لكم بنصح وأمانة، وذلك في قوله تعالى:{وَقَالتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَي تَقَرَّ عَينُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)} فقوله تعالى في آية "القصص" هذه: {وَقَالتْ لِأُخْتِهِ} أي: قالت أم موسى لأخته وهي ابنتها: {قُصِّيهِ} أي اتبعي أثره، وتطَلَّبي خبره حتى تطلعي على حقيقة أمره.
وقوله: {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} أي رأته من بعيد كالمعرضة عنه، تنظر إليه وكأنها لا تريده {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)} بأنها أخته جاءت لتعرف خبره فوجدته ممتنعًا من أن يقبل ثدي مرضعة؛ لأن الله يقول:{وَحَرَّمْنَا عَلَيهِ الْمَرَاضِعَ} أي تحريمًا كونيًّا قدريًّا، أي منعناه منها ليتيسر بذلك رجوعه إلى أمه؛ لأنه لو قبل غيرها أعطوه لذلك الغير الذي قبله ليرضعه ويكفله فلم يرجع إلى أمه. وعن
ابن عباس: أنها لما قالت لهم: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)} أخذوها وشكُّوا في أمرها وقالوا لها: ما يدريك بنصحهم له وشفقتهم عليه؟! فقالت لهم: نصحهم له، وشفقتهم عليه رغبة في سرور الملك، ورجاء منفعته، فأرسلوها. فلما قالت لهم ذلك وخلصت من أذاهم، ذهبوا معها إلى منزلهم فدخلوا به على أمه فأعطته ثديها فالتقمه ففرحوا بذلك فرحًا شديدًا وذهب البشير إلى امرأة الملك فاستدعت أم موسى، وأحسنت إليها، وأعطتها عطاء جزيلًا وهي لا تعرف أنها أمه في الحقيقة، ولكن لكونه قبل ثديها. ثم سألتها "آسية" أن تقيم عندها فترضعه فأبت عليها وقالت: إن لي بعلا وأولادًا، ولا أقدر على المقام عندك، ولكن إن أحببت أن أرضعه في بيتي فعلت فأجابتها امرأة فرعون إلى ذلك، وأجرت عليها النفقة والصلات والكساوي والإحسان الجزيل. فرجعت أم موسى بولدها قد أبدلها الله بعد خوفها أمنًا في عز وجاه، ورزق دار. اهـ من ابن كثير.
وقوله تعالى في آية "القصص": {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} وعد الله المذكور هو قوله: {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)} والمؤرخون يقولون: إن أخت موسى المذكوره اسمها "مريم". وقوله: {كَي تَقَرَّ عَينُهَا} إن قلنا فيه: إن {كَي} حرف مصدري فاللام محذوفة، أي: لكي تقر. وإن قلنا: إنها تعليلية، فالفعل منصوب بـ"أن" مضمرة. وقوله:{تَقَرَّ عَينُهَا} قيل: أصله من القرار؛ لأن ما يحبه الإنسان تسكن عينه عليه، ولا تنظر إلى غيره؛ كما قال أبو الطيب:
وخَصْر تثبت الأبصار فيه
…
كأنَّ عليه من حَدَق نطاقا