الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَالمِينَ (45)}، وقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)} إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآيات الكريمة: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيرِ} يدل على أن بلا يبلو تستعمل في الاختبار بالنعم، وبالمصائب والبلايا. وقال بعض العلماء: أكثر ما يستعمل في الشر بلا يبلو، وفي الخير أبلى يبلى. وقد جمع اللغتين في الخير قول زهير بن أبي سلمى:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم
…
وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيرِ} قال: أي نبتليكم بالشر والخير فتنة بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال.
•
.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ما يتخذونه إلا هزوًا، أي مستهزأ به مستخفًا به. والهزؤ: السخرية، فهو مصدر وصف به. ويقولون: أهذا الذي يذكر آلهتكم أي يعيبها وينفي أنها تشفع لكم وتقربكم إلى الله
زلفى، ويقول: إنها لا تنفع من عبدها، ولا تضر من لم يعبدها، وهم مع هذا كله كافرون بذكر الرحمن. فالخطاب في قوله:{وَإِذَا رَآكَ} للنبي صلى الله عليه وسلم. و {إِنْ} في قوله: {إِنْ يَتَّخِذُونَكَ} نافية. والاستفهام في قوله: {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} قال فيه أبو حيان في البحر: إنه للإنكار والتعجيب. والذي يظهر لي أنهم يريدون بالاستفهام المذكور التحقير بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما تدل عليه قرينة قوله:{إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إلا هُزُوًا} . وقد تقرر في فن المعاني: أن من الأغراض التي تؤدى بالاستفهام التحقير. وقال القرطبي في تفسير هذه الآية: إن جواب {وَإِذَا} هو القول المحذوف، وتقديره: وإذا رءاك الذين كفروا يقولون: أهذا الذي يذكر آلهتكم. وقال: إن جملة {إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إلا هُزُوًا} جملة معترضة بين إذا وجوابها. واختار أبو حيان في البحر أن جواب {وَإِذَا} هو جملة {إِنْ يَتَّخِذُونَكَ} وقال: إن جواب "إذا" بجملة مصدرة بـ {إِنْ} أو "ما" النافيتين لا يحتاج إلى الاقتران بالفاء. وقوله: {يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} أي يعيبها. ومن إطلاق الذكر بمعنى العيب قوله تعالى: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)} أي: يعيبهم. وقول عنترة:
لا تذكري مهري وما أطعمته
…
فيكون جلدك مثل جلد الأجرب
أي: لا تعيبي مهري، قاله القرطبي.
وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة: الذكر يكون بخير وبخلافه. فإذا دلت الحال على أحدهما أطلق ولم يقيد، كقولك للرجل: سمعت فلانًا يذكرك، فإن كان الذاكر صديقًا فهو
ثناء؛ وإن كان عدوًا فذم، ومنه قوله تعالى:{سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} ، وقوله:{أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} انتهى محل الغرض منه. والجملة في قوله: {وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)} حالية. وقال بعض أهل العلم: معنى كفرهم بذكر الرحمن هو الموضح في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)} ، وقولهم: ما نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب. وقد بين ابن جرير الطبري وغيره: أن إنكارهم لمعرفتهم الرحمن تجاهل منهم ومعاندة مع أنهم يعرفون أن الرحمن من أسماء الله تعالى. قال: وقال بعض شعراء الجاهلية الجهلاء:
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها
…
ألا قطع الرحمن ربي يمينها
وقال سلامة بن جندل الطهوي:
عجلتم علينا عجلتينا عليكم
…
وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق
وفي هذه الآية الكريمة دلالة واضحة على سخافة عقول الكفار؛ لأنهم عاكفون على ذكر أصنام لا تنفع ولا تضر، ويسوءهم أن تذكر بسوء، أو يقال: إنها لا تشفع ولا تقرب إلى الله. وأما ذكر الله وما يجب أن يذكر به من الوحدانية فهم به كافرون لا يصدقون به، فهم أحق بأن يتخذوا هزؤا من النبي صلى الله عليه وسلم الذي اتخذوه هزؤا، فإنه محق وهم مبطلون.
فإذا عرفت معنى هذه الآية الكريمة؛ فاعلم أن هذا المعنى الذي دلت عليه جاء أيضًا مبينًا في سورة "الفرقان" في قوله تعالى: