الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في قوله: {تَنْزِيلًا} أوجه كثيرة من الإعراب ذكرها المفسرون. وأظهرها عندي: أنه مفعول مطلق، منصوب بـ"نزَّل" مضمرة دل عليها قوله:{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)} أي نزَّله الله تنزيلًا {مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ} الآية، أي فليس بشعر ولا كهانة، ولا سحر ولا أساطير الأولين، كما دل لهذا المعنى قوله تعالى:{وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالمِينَ (43)} والآيات المصرحة بأن القرآن منزل من رب العالمين كثيرة جدًا معروفة، كقوله:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالمِينَ (192)} الآية، وقوله:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} ، وقوله:{تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)} ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًا.
•
قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)}
.
تقدم إيضاح الآيات الموضحة لهذه الآية وأمثالها في القرآن في سورة "الأعراف" مستوفى. فأغنى عن إعادته هنا.
•
قوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)}
.
خاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة بأنه: إن يجهر بالقول أي: يقُلْه جهرة في غير خفاء، فإنه جل وعلا يعلم السر وما هو أخفى من السر. وهذا المعنى الذي أشار إليه هنا ذكره في مواضع أخر، كقوله:{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَو اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ، وقوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)} ، وقوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)} ، وقوله تعالى:{قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
وفي المراد بقوله في هذه الآية: {وَأخَفَى} أوجه معروفة
كلها حق ويشهد لها قرآن. قال بعض أهل العلم {يَعْلَمُ السِّرَّ} : أي ما قاله العبد سرًّا {وَأَخْفَى (7)} أي ويعلم ما هو أخفى من السر، وهو ما توسوس به نفسه؛ كما قال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)} . وقال بعض أهل العلم: {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ} : أي ما توسوس به نفسه {وَأَخْفَى (7)} من ذلك، وهو ما علم الله أن الإنسان سيفعله قبل أن يعلم الإنسان أنه فاعله، كما قال تعالى:{وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)} ، وكما قال تعالى:{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)} فالله يعلم ما يسره الإنسان اليوم؛ وما سيسره غدًا. والعبد لا يعلم ما في غد، كما قال زهير في معلقته:
وأعلمُ علم اليوم والأمسِ قبلَه
…
ولكنِّني عن عِلْم ما في غدٍ عَمِ
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَأَخْفَى (7)} صيغة تفضيل كما بينا، أي ويعلم ما هو أخفى من السر. وقول من قال: إن {وَأَخْفَى (7)} فعل ماض بمعنى أنه يعلم سر الخلق، وأخفى عنهم ما يعلمه هو؛ كقوله:{يَعْلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} ، ظاهر السقوط كما لا يخفى.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ} أي فلا حاجة لك إلى الجهر بالدعاء ونحوه، كما قال تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} ، وقال تعالى:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} الآية. ويوضح هذا المعنى الحديث الصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع أصحابه