الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غير هذا الموضع، كقوله في "فصلت":{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} ، وقوله في "النحل":{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)} إلى غير ذلك من الآيات.
•
قوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}
.
قوله: {يَوْمَ نَطْوي السَّمَاءَ} منصوب بقوله: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ} ، أو بقوله:{وَتَتَلَقَّاهُمُ} . وقد ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يوم القيامة يطوي السماء كطي السجل للكتب. وصرح في "الزمر" بأن الأرض جميعًا قبضته يوم القيامة، وأن السماوات مطويات بيمينه، وذلك في قوله:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} . وما ذكره من كون السماوات مطويات بيمينه في هذه الآية: جاء في الصحيح أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قدمنا مرارًا أن الواجب في ذلك إمراره كما جاء، والتصديق به، مع اعتقاد أن صفة الخالق أعظم من أن تماثل صفة المخلوق. وأقوال العلماء في معنى قوله:{كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} راجعة إلى أمرين:
الأول: أن السجل الصحيفة: والمراد بالكتب: ما كتب فيها، واللام بمعنى على، أي: كطي السجل على الكتب، أي كطي
الصحيفة على ما كتب فيها، وعلى هذا فطي السجل مصدر مضاف إلى مفعوله؛ لأن السجل على هذا المعنى مفعول الطي.
الثاني: أن السجل ملك من الملائكة، وهو الذي يطوي كتب أعمال بني آدم إذا رفعت إليه، ويقال: إنه في السماء الثالثة، ترفع إليه الحفظة الموكلون بالخلق أعمال بني آدم في كل خميس واثنين، وكان من أعوانه (فيما ذكروا) هاروت وماروت، وقيل: إنه لا يطوي الصحيفة حتى يموت صاحبها فيرفعها ويطويها إلى يوم القيامة، وقول من قال: إن السجل صحابي، كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ ظاهر السقوط كما ترى.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {لِلْكُتُبِ} قرأه عامة السبعة غير حمزة والكسائي وحفص عن عاصم (للكتاب) بكسر الكاف وفتح التاء بعدها ألف بصيغة الإفراد. وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {لِلْكُتُبِ} بضم الكاف والتاء بصيغة الجمع. ومعنى القراءتين واحد؛ لأن المراد بالكتاب على قراءة الإفراد جنس الكتاب، فيشمل كل الكتب.
• قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)} .
أظهر الأقوال عندي في هذه الآية الكريمة: أن الزبور الذي هو الكتاب يراد به جنس الكتاب فيشمل الكتب المنزلة، كالتوراة والإنجيل، وزبور داود، وغير ذلك. وأن المراد بالذِّكْر: أم الكتاب، وعليه فالمعنى: ولقد كتبنا في الكتب المنزلة على الأنبياء أن الأرض يرثها عبادي الصالحون بعد أن كتبنا ذلك في أم الكتاب.
وهذا المعنى واضح لا إشكال فيه. وقيل الزبور في الآية: زبور داود، والذكر: التوراة؛ وقيل غير ذلك. وأظهرها هو ما ذكرنا واختاره غير واحد.
واعلم أنا قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن الآية قد يكون فيها قولان للعلماء، وكلاهما حق ويشهد له قرآن فنذكر الجميع؛ لأنه كله حق داخل في الآية. ومن ذلك هذه الآية الكريمة؛ لأن المراد بالأرض في قوله هنا:{أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)} فيه للعلماء وجهان:
الأول: أنها أرض الجنة يورثها الله يوم القيامة عباده الصالحين. وهذا القول يدل له قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)} وقد قدمنا معنى إيراثهم الجنة مستوفى في سورة "مريم".
الثاني: أن المراد بالأرض: أرض العدو يورثها الله المؤمنين في الدنيا؛ ويدل لهذا قوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرًا (27)} ، وقوله:{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} الآية، وقوله تعالى:{قَال مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)} ، وقوله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الآية، وقوله تعالى:{فَأَوْحَى إِلَيهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ} إلى غير ذلك من الآيات. وقرأ هذا الحرف عامة القراء غير حمزة {فِي الزَّبُورِ}