الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث القول الذي يعارضه الفعل
القول الذي يوهم معارضة الفعل له، يكون على ثلاثة أنواع:
الأول: أن يكون عاماً له صلى الله عليه وسلم وللأمة. والثاني أن يكون خاصاً به صلى الله عليه وسلم.
والثالث: أن يكون خاصّاً بالأمة -والمراد هنا أن لا يكون القول شاملاً له صلى الله عليه وسلم.
ونحن نفصل القول في كل من هذه الأحوال، بالترتيب، فنقول:
الحالة الأولى: أن يكون القول عاماً لنا وله. بأن يقول: "حرِّم علينا كذا" أو "وجب علينا كذا".
فإذا فعل ما يخالفه دار الأمر بين احتمالات:
1 -
أن يُجعل حكم فعله خاصّاً به. فيدل على استثنائه هو وحده صلى الله عليه وسلم من حكم العموم.
وإنما يصلح هذا الوجه إن كان عموم القول له صلى الله عليه وسلم بطريق الظهور، كما لو قال: حُرِّم علينا كذا. ثم فعله، كما مثلنا. فإن نصّ على نفسه، فقال: حُرِّم عليّ وعليكم كذا، مثلاً، امتنع هذا الوجه، وتعارض في حقه، ووجب المصير إلى النسخ (1).
ويتعارض القول العام والفعل في حقه أيضاً إن تقدّم القول، وعمل النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضاه، ثم فعل ضده، فإن الفعل الثاني يكون ناسخاً، ولا يجوز الحمل على الخصوصية (2).
(1) نبه إليه ابن الحاجب. راجع مختصره. وانظر نهاية السول للأسنوي 68
(2)
البناني: حاشية جمع الجوامع 2/ 101
2 -
أن يجعل فعله تخصيصاً لعموم قوله في حق الأمّة أيضاً، فيتبيّن بالفعل خروجه وخروج غيره، من حكم العام. ويكون ذلك إذا علم ارتباط فعله بالسبب، كما تقدم. فلا يتم التعارض. وفيه خلاف تقدم ذكره في مبحث التخصيص.
وسواء بالنظر إلى هذين الاحتمالين، أن يتأخر الفعل عن القول أو يتقدم عليه.
3 -
أن يُعْتَقَد المتأخر من القول أو الفعل ناسخاً للآخر، إن علم التاريخ. ويجيز الفقهاء هذا النوع من النسخ، ويتوقف فيه بعض الأصوليين. ويقدمون عليه الحمل على الخصوصية في حقه صلى الله عليه وسلم.
الحالة الثانية: أن يكون القول خاصاً به صلى الله عليه وسلم. بأن يقول: حرم عليّ كذا. ويثبت أنه فعله. أو: وجب عليَّ كذا، ثم يتركه.
وقد قيل في هذه الحال، إنه لما لم يكن القول متناولاً للأمة فليس ثمة إلَاّ احتمال واحد في حقه، هو النسخ بالمتأخر من القول أو الفعل. وفي حق الأمة لا تعارض، لعدم توارد الدليلين على موضع واحد.
تنبيه: إذا قال صلى الله عليه وسلم: حرم علي كذا، أو وجب علي كذا، فهذا وإن كان خاصاً به من حيث اللفظ، إلاّ أنه ينبغي القول أن أمته ملحقة به، لما ورد من الأدلة القاضية بذلك. وقد تقدم بيان هذا في موضع سابق. ولا يمتنع إلحاق به إلاّ بدليل. فإن جاء الدليل على اختصاصه به حكمنا به. ومثاله أنه واصَلَ ونهاهم عن الوصال. فقالوا: إنك تواصل. فقال: "إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني".
ومن أجل ذلك تكون هذه الحالة الثانية قاصرة على ما دلّ الدليل فيه على الاختصاص. أما ورود مجرّد قوله: "أُمِرْتُ، ونُهيتُ، وحَرُم عليّ، ووجَب عليّ"، ونحو ذلك، فلا يمنع القول بالعموم، بل يكون من الحالة الأولى، وهي ما كان القول فيها عاماً لنا وله. لأن قوله:"أُمِرْتُ ونُهيتُ" بمنزلة قوله: "أُمِرنا ونُهينا".