الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرّابع الفعل الذي يصح معارضته للقول
أما في حقه صلى الله عليه وسلم فإن كل فعل من أفعاله يصح معارضته للقول الصادر عنه، إن كان القول خاصّاً به، أو شاملاً له.
وأما في حق الأمة، إذا كان القول خاصاً بها أو شاملاً لها، فقد ذكر بعض الأصوليين في الفعل شروطاً لا يتم التعارض بدونها. وهي كما يلي:
الشرط الأول: قيام دليل خاص على وجوب التأسّي بالفعل:
فيجب أن يكون الفعل دالاً في حق الأمة، بأن لا يكون جبلياً، ولا خاصاً به صلى الله عليه وسلم.
ثم الفعل البياني والامتثالي يصح معارضته للقول كما هو واضح، لقيامه مقام القول.
وأما الفعل المجرّد، فمن قال إنه ليس دليلاً في حق الأمة، كما قاله الكرخي، والواقفية: الباقلاني والغزالي ومن تبعهما، اشترط أن يقوم دليل خاص على وجوب تأسيّ الأمة بنبيها في ذلك الفعل بعينه. فإن لم يقم مثل ذلك الدليل فلا تعارض، لأن الفعل المجرّد لا يدل عندهم في حق الأمة على شيء.
وأما من قال بأن الفعل المجرّد دليل في حق الأمة على الوجوب، أو الندب، أو الإباحة، فقد كان ينبغي أن لا يشترط لصحة التعارض قيام دليل خاص على التأسّي. وهذا هو الذي نختاره. بناء على ما تقدم إثباته في فصل الفعل المجرّد من الباب الأول. ويقول الشوكاني: "اعلم أنه لا يشترط وجود دليل خاص يدلّ على التأسّي، بل يكفي ما ورد في الكتاب العزيز من قوله تعالى: {لقد كان لكم في
رسول الله أسوة حسنة} ونحوه .. ومجرد فعله لذلك الفعل بحيث يطلع عليه غيره من أمته ينبغي أن يحمل على قصد التأسّي به، إذا لم يكن من الأفعال التي لا يتأسّى به فيها كأفعال الجبلة" (1). وقال القرافي مثل ذلك (2).
وكان غريباً من الآمدي (3) والسبكي (4) أن يقولا في الفعل المجرّد إنه بصفته العامة دليل في حق الأمة، لما ورد في ذلك من الآيات والأحاديث، ثم يشترطا لحصول التعارض قيام دليل خاص على التأسّي بالفعل.
وقد وجه البناني ووافقه الشربيني (5) اشتراط قيام دليل خاص على التأسّي بالفعل، ليتم التعارض، مع إثبات التأسّي بالفعل المجرّد، بأن الفعل المجرّد إذا لم يعارضه قول، يمكن التأسّي به، للأدلة العامة القاضية بوجوب التأسيّ، أما إذا نوقض فإنه يضعف بتلك المناقضة، فيحتاج إلى قيام دليل خاص يدل على التأسّي ليصح التعارض. فإن لم يقم ذلك الدليل الخاص وجب تقديم القول مطلقاً.
وظاهر كلام العلائي (6) أن أول من اشترط هذا الشرط الآمدي وابن الحاجب، ولم يذكره الرازي في محصوله (7).
وعندي أن كلام القرافي والشوكاني أسدّ وأصوب، لأنه وإن كانت دلالة الفعل تضعف بمناقضة القول له، فدلالة القول أيضاً تضعف بمناقضة الفعل، فيبقيان على ما كان عليه من التناسب في القوة.
والذي نعتقده أن الفقه الإسلامي بُنِي على تجاهل هذا الشرط، فإنه بتتبع كلام الفقهاء في استدلالاهم بالأحاديث، نجد غالبهم لا يلاحظون هذا الشرط ولا يقيمون له وزناً، كما سننقله في الأمثلة التي في آخر هذا الفصل إن شاء الله.
(1) إرشاد الفحول ص 41
(2)
القرافي: شرح تنقيح الفصول ص128والعلائي: تفصيل الإجمال ق 58 ب، 63 ب.
(3)
انظر الإحكام 1/ 278
(4)
انظر جمع الجوامع 2/ 100
(5)
حاشية على شرح جمع الجوامع 2/ 100
(6)
تفصيل الإجمال ق 52 أ.
(7)
أبو شامة: المحقق ق 49 أ.