الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي ما ذكرناه من هذا القول المجمل كفاية، ولا حاجة إلى ذكر الصور التفصيلية.
ونزيد المسألة بذكر عدة أمثلة تعين على توضيح المقصود. وبالله التوفيق.
أمثلة على اختلاف القول والتقرير:
المثال الأول (1): حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال في الإمام: "إن صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون"(2)
ثم ثبت أنه صلّى في مرض موته بأصحابه جالساً وهم قيام.
فهذا التقرير متأخّر. والقول وإن كان أمراً يُظَنُّ إمكان حمله على الاستحباب كما فعل ابن حزم (3) في هذا المثال، لكن لما كان في شأن متابعة الإمام، فمتابعته واجبة، كما هو ظاهر من سياق الحديث بتمامه. وكون الأمر معلقاً بالشرط يبين أنه للتكرار. واجتماع هذه الأمور يعين النسخ.
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
الأول: أن يقدم القول. فيمتنع القيام خلف الإمام الجالس للضرورة، إذا كان المأموم قادراً.
وإليه ذهب الحنابلة، وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من الشافعية، قالوا: وهذا إن ابتدأ الإمام الصلاة قاعداً، فإن ابتدأها قائماً ثم عرض له العذر فجلس، استمروا قياماً، أخذاً من ابتداء أبي بكر الصلاة قائما ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلّى بهم جالساً.
وهذا نوع من الجمع بين القول والتقرير بحمل كل من الحديثين على حالة خاصة.
(1) راجع لمذاهب الفقهاء في هذه المسألة: فتح الباري 2/ 175. ابن دقيق العيد: شرح العمدة 1/ 196 ابن قدامة: المغني 2/ 222
(2)
رواه البخاري ومسلم 4/ 133
(3)
الإحكام في أصول الأحكام 1/ 484
والثاني: وهو قول الشافعي والحنفية. أنهم يصلون قياماً والإمام قاعد. ووجهه أن التقرير ناسخ للقول المتقدم. فيزول وجوب الجلوس خلف القاعد. وإذا زال تعيّن القيام، على الأصل من أن القيام ركن في الفرض في حق القادر عليه.
والثالث: مذهب مالك ومحمد بن الحسن، أن اقتداء القادر على القيام، بالقاعد، لا يصحّ أصلاً، سواء صلّى المأموم قاعداً أو قائماً.
ووجهه أيضاً نسخ القول بالتقرير، فيزول وجوب القعود خلف الإمام القاعد. ثم نسخت إمامة القاعد جملة بحديث:"لا يؤمّنَّ أحد بعدي جالساً"(1).
وهو حديث ضعيف.
المثال الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم للذي نشد الضالة في المسجد: "لا وجدتّ، إنما بنيت الساجد لما بنيت له"(2).
وورد أنه صلى الله عليه وسلم أقرّ الحبشة يوم العيد على اللعب بالحراب في المسجد.
واضح أن هذا من جنس التخصيص، فإن هذا النوع من اللعب تمرين على الجهاد وتنشيط له. ولأن إظهار الفرح والسرور مشروع ليوم العيد.
المثال الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم حرّم التصوير ولعن المصوّر (3).
وورد أن عائشة اتخذت وسادتين فيهما صور، وأنها كانت تلعب بالبنات - وهي اللعب الصغار- وأقرّ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
فمن العلماء من أخذ بالقول، واعتبر التقرير سابقاً في التاريخ على القول، فلم يأخذ به.
(1) أخرجه الدارقطني من طريق جابر الجعفي وهو متروك، عن الشعبي مرسلاً (الخصائص الكبرى للسيوطي 3/ 214)
(2)
رواه مسلم 5/ 54 وأبو داود وابن ماجه وأحمد.
(3)
صحيح البخاري (ط الحلبي مع فتح الباري 5/ 218).
ومنهم من قال بالتخصيص، فيجوز اتخاذ الصور الممتهنة، في البسط والفرش ونحوها دون ما سواها.
ويجوز أيضاً اتخاذ اللعب لصغار النساء تدريباً لهن على العناية بالأطفال.
المثال الرابع: نهيه صلى الله عليه وسلم عن الغلول، وإحراقه رحل الغال (1)، يدل على تحريمه. وورد عن عبد الله بن مغفّل أنه أصاب جراب شحم يوم خيبر. قال:"فالتزمته فقلت: لا أعطى اليوم أحداً من هذا شيئاً. فالتفتُّ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسماً".
اتفق العلماء (2) على أن هذا الحديث مخصّص للنهي عن الغلول، وأنه يجوز الأكل من طعام أهل الحرب ما دام المسلمون في دار الحرب، فيأكلون منه قدر حاجتهم.
(1) أبو داود 7/ 383
(2)
العلائي: تفصيل الإجمال ق 70 ب.