المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث شروط صحة دلالة التقرير - أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية - جـ ٢

[محمد سليمان الأشقر]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني الأفعال غير الصريحة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول الكتابة

- ‌المطلب الأول هل الكتابة قول أو فعل

- ‌البيان بالكتابة:

- ‌المطلب الثاني منزلة الكتابة من القول عند الفقهاء والمحدثين

- ‌المطلب الثالث التعارض بين الكتابة وغيرها

- ‌الفَصل الثاني الإشارة

- ‌الإشارة فعل:

- ‌المطلب الأول كيفية الدلالة بالإشارة

- ‌المطلب الثاني الإشارة عند الفقهاء

- ‌المطلب الثالث حكم البيان بالإشارة

- ‌ما وقع في السنة من البيان بالإشارة:

- ‌الذي وقع في السنة من البيان بالإشارة ثلاثة أنواع:

- ‌المطلب الرابع التعارض بين الإشارة والقول

- ‌المطلب الخامس هل كانت بعض الإشارات ممتنعة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث الأوجُه الفِعليَّة لِلقَول

- ‌المبحث الأوّل التفريق بين الوجه العباري وبين الوجه الفعلي للقول

- ‌ضابط للتفريق بين وجهي القول:

- ‌ما يدخل تحت هذه القاعدة:

- ‌المبحث الثاني حصر الأوجه الفعليَّة للقول

- ‌الفصل الرابع التركتمهيد في حقيقة الترك:

- ‌هل الكفّ فعل من الأفعال

- ‌تقسيمنا لمباحث الترك:

- ‌المبحث الأوّل البيان بالترك

- ‌الترك وسيلة لبيان الأحكام، كالفعل:

- ‌ما يحصل بالترك من أنواع البيان:

- ‌المبحث الثاني أقسام الترك والأحكام التي تدل عليها

- ‌تفريق القاضي عبد الجبار في التأسيّ بين الترك والفعل ومناقشتنا له في ذلك:

- ‌تكرار الترك:

- ‌المبحث الثالث الترك المطلق والترك لسبب

- ‌أسباب الترك:

- ‌المبحث الرّابع نقل الترك

- ‌الفَصل الخامس السُّكوت

- ‌أنواع السكوت:

- ‌المطلب الأول السكوت لعدم وجود حكم في المسألة

- ‌السكوت عن بعض الأحكام مع بيان بعض آخر:

- ‌المطلب الثاني السكوت لمانع

- ‌المطلب الثالث ترك الحكم في حادثة هل يوجب ترك الحكم في نظيرها

- ‌المطلب الرابع ترك الاستفصال عند الإفتاء ومدى دلالته على عموم الحكم

- ‌رأينا في المسألة:

- ‌فروع تنبني على هذه القاعدة:

- ‌الفرع الأول: من أسلم على أختين

- ‌الفرع الثاني: قضاء رمضان عن الميت:

- ‌الفصل السادس التقرير

- ‌المبحث الأول الإنكار وما يحصل به

- ‌أنواع الإنكار:

- ‌الإنكار وخصائصه في بيان الأحكام:

- ‌المبحث الثّاني حجية التقرير

- ‌أدلة القول الأول:

- ‌أدلة القول الثاني:

- ‌درجات التقرير من حيث القوة:

- ‌المبحث الثالث شروط صحَّة دلالة التقرير

- ‌المبحث الرّابع أنواع التقرير ودلالة كُلٍّ منهاأنواع التقرير:

- ‌الأحكام التي تدل عليها التقارير:

- ‌1 - الإقرار على الأقوال:

- ‌2 - الإقرار على الأفعال:

- ‌كيفية معرفة حكم الفعل المقرّ عليه:

- ‌الإقرار على ما كان في الجاهلية واستمر في أول الإسلام:

- ‌3 - الإقرار على الترك:

- ‌المبحث الخامس تعدية حكم التقرير لغير المقرر

- ‌المبحث السادس في مسائل متفرقة

- ‌المسألة الأولى: ذكر الأمر في أثناء القول هل يكون تقريراً:

- ‌المسألة الثانية: السكوت على ما يوهمه القول الجائز:

- ‌المسألة الثالثة: الإقرار على الفعل الحادث، والفعل المستدام:

- ‌المسألة الرابعة: بين قاعدة الإقرار وقاعدة "لا ينسب للساكت قول

- ‌المسألة الخامسة: سعة دلالة التقرير:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌الفصل السابع الهمّ بالفعل

- ‌هل الهمّ بالشيء حجة

- ‌الفصل الثامن الملحقات بالأفعال النبوية

- ‌المبحث الأوّل أفعاله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة

- ‌المبحث الثاني الشمائل النفسيّة (الأخلاق)

- ‌المبحث الثالث فعله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا

- ‌المطلب الأوّل إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، يفعل فعلاً، فرؤيا الأنبياء حق

- ‌المطلب الثاني من رأى في المنام النبي صلى الله عليه وسلم يفعل

- ‌أخذ الأحكام الشرعية من فعله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا:

- ‌المبحث الرّابع ما فعل به صلى الله عليه وسلم بعد موته

- ‌وجه الاحتجاج بذلك:

- ‌المبحث الخامس أفعال الله تعالى

- ‌قولنا في ذلك:

- ‌الأوجه الفعلية لقوله تعالى:

- ‌المبحث السادس تقرير الله تعالى

- ‌رأينا في هذا الأصل:

- ‌المبحث السابع أفعال أهل الإجماع

- ‌الباب الثالث التعارض والترجيح

- ‌مقدمة في الاختلاف بين الأدلة

- ‌العمل عند اختلاف الأدلة:

- ‌الخطوة الأولى: الجمع بين الدليلين:

- ‌الخطوة الثانية: النسخ:

- ‌الخطوة الثالثة: الترجيح بين الدليلين:

- ‌الخطوة الرابعة: التوقف أو التخيير:

- ‌الفصل الأوّل التعارض بين الفعل والفعل (ويدخل فيه التعارض بين الفعل والترك)

- ‌مذاهب الأصوليين في ذلك:

- ‌تحرير محل النزاع:

- ‌قولنا في المسألة:

- ‌مسألة اختلاف الفعلين قلة وكثرة:

- ‌الفصل الثاني تعارض الأقوال والأفعال

- ‌المبحث الأوّل أسبابُ الاختلاف بين القول والفعل

- ‌العمل عند اختلاف مقتضى الفعل والقول:

- ‌المبحث الثاني الجمع بين القول والفعل إذا اختلفا

- ‌تخصيص العموم بفعله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالث القول الذي يعارضه الفعل

- ‌تكرر مقتضى القول:

- ‌المبحث الرّابع الفعل الذي يصح معارضته للقول

- ‌الشرط الأول: قيام دليل خاص على وجوب التأسّي بالفعل:

- ‌الشرط الثاني:

- ‌المبحث الخامس نسخ حكم الفعل بالقول وعكسُه

- ‌المبحث السادس العمل عند التعارض مع الجهل بالترتيب الزّمني

- ‌المبحث السَّابع الصَّور التفصيلية لاختلاف القول والفِعل

- ‌جدول الصور التفصيلية لاختلاف القول والفعل

- ‌مسالك الأصوليين في تعدد الصور التفصيلية:

- ‌أمثلة تعين على إيضاح ما تقدم

- ‌الفصل الثالث تعارض الفعل والأدلة الأخرى

- ‌أولاً - القرآن:

- ‌ثانياً- الإجماع:

- ‌ثالثاً- القياس:

- ‌قولنا في المسألة:

- ‌الفصل الرابع اختلاف التقرير والقَول أو الفِعْل

- ‌المبحث الأوّل اختلاف التقرير والقول

- ‌صور اختلاف التقرير والقول:

- ‌أمثلة على اختلاف القول والتقرير:

- ‌المبحث الثاني اختلاف التقرير والفعل

- ‌أمثلة على اختلاف الفعل والتقرير:

- ‌ختام

- ‌ملحق الصور التفصيلية لاختلاف القول والفعل مع بيان الحكم في كل منهما

- ‌القُطبُ الأوَّل

- ‌القُطبُ الثَّاني

- ‌القُطبُ الثالِث

- ‌القطب الرَّابع

- ‌المَرَاجع

- ‌فهرس الأعلام

- ‌الآمدي (551 - 631 ه

- ‌ابن أبي جمرة (…-695 ه

- ‌ابن أبي الحديد (586 - 655 ه

- ‌ابن أبي شريف (822 - 906 ه

- ‌ابن أبي هريرة (…-345 ه

- ‌ابن الأثير (544 - 606 ه

- ‌ابن أمير الحاج (…-889 ه

- ‌ابن تيمية (661 - 728 ه

- ‌ابن تيمية (الأب) (627 - 682 ه

- ‌ابن تيمية الجد (…-652 ه

- ‌ابن جماعة: (639 - 733 ه

- ‌ابن الجوزي (508 - 597 ه

- ‌‌‌ابن الحاج (…-737 ه

- ‌ابن الحاج (…-737 ه

- ‌ابن حبان (…-354 ه

- ‌ابن حجر العسقلاني (773 - 852 ه

- ‌ابن حزم (384 - 456ه

- ‌ابن خلاّد (…-360 ه

- ‌ابن خلدون (732 - 808 ه

- ‌ابن خويز (…-390 هـ تقريباً):

- ‌ابن دقيق العيد (702 ه

- ‌ابن رشد (450 - 520 ه

- ‌ابن سريح (249 - 306 ه

- ‌ابن سعد (168 - 230 ه

- ‌ابن سيده (398 - 458 ه

- ‌ابن سيرين (33 - 110 ه

- ‌ابن عبد السلام (577 - 660 ه

- ‌ابن عبدان (…-433 ه

- ‌ابن العربي (468 - 543 ه

- ‌ابن عقيل (431 - 513 ه

- ‌ابن عليّة (110 - 193 ه

- ‌ابن فورك (…-406 ه

- ‌ابن قاسم (…-992 ه

- ‌ابن قدامة (541 - 620 ه

- ‌ابن القيم (691 - 751 ه

- ‌ابن اللحام (752 - 803 ه

- ‌ابن مسعود (…-32 ه

- ‌ابن الملقن (723 - 804ه

- ‌ابن المنذر (242 - 319 ه

- ‌ابن منظور (630 - 711 ه

- ‌ابن الهمام (790 - 861 ه

- ‌ابن واصل (604 - 697 ه

- ‌أبو إسحاق المروزي (…-340 ه

- ‌أبو الحسين البصري (…-436 ه

- ‌أبو الخطاب (432 - 510 ه

- ‌أبو شامة (559 - 665 ه

- ‌أبو الشعثاء (21 - 93 ه

- ‌أبو عبد الله البصري (…-370 ه

- ‌أبو يعلى (380 - 458ه

- ‌أبو يوسف (113 - 182 ه

- ‌الأبياري (557 - 618 ه

- ‌الأرموي (594 - 682 ه

- ‌الإسفراييني، أبو حامد (344 - 406 ه

- ‌الإسنوي (704 - 772 ه

- ‌الإصطخرى (244 - 328 ه

- ‌إلكيا الطبري (450 - 504 ه

- ‌أم سليم (…-30 ه

- ‌أمير بادشاه (…-987 ه

- ‌الباقلاني (338 - 403ه

- ‌البخاري (…-730 ه

- ‌البزدوي (…-482 ه

- ‌بشر الحافي (150 - 227 ه

- ‌البلقيني (724 - 805 ه

- ‌البيضاوي (…-685 ه

- ‌التفتازاني (712 - 791ه

- ‌التهانوي (…- بعد 1158 ه

- ‌التميمي (317 - 371ه

- ‌الثوري (97 - 161 ه

- ‌الجبائي، أبو علي (235 - 303ه

- ‌الجصاص (…-370 ه

- ‌جولد زيهر، أجناس (1266 - 1340 ه

- ‌الجويني (419 - 478 ه

- ‌حاجي خليفة (1017 - 1067 ه

- ‌الحارث المحاسبي (…-243 ه

- ‌الحليمي (338 - 403ه

- ‌خالد الأزهري (838 - 905 ه

- ‌الخطابي (…-388 ه

- ‌الدهلوي (1110 - 1176 ه

- ‌الرازي (543 - 606 ه

- ‌الرَّوياني (415 - 502 ه

- ‌الزركشي (745 - 794 ه

- ‌زكريا الأنصاري (826 - 926 ه

- ‌الزيدية:

- ‌السبكي (727 - 771 ه

- ‌السرخسي (…-483 ه

- ‌السمعاني (426 - 489 ه

- ‌سهل التستري (200 - 283 ه

- ‌السهيلي (508 - 581 ه

- ‌السيوطي (849 - 911 ه

- ‌الشربيني (…-1326 ه

- ‌شريح (42 ق. هـ-78 ه

- ‌الشوكاني (1173 - 1250ه

- ‌الشيرازي (393 - 476 ه

- ‌صدر الشريعة (…-747 ه

- ‌الصغاني (577 - 650 ه

- ‌الصنعاني (1099 - 1182ه

- ‌الصيرفي (…-330 ه

- ‌الطحاوي (239 - 321ه

- ‌العاقولي (733 - 797 ه

- ‌عبد الله بن سعد بن أبي السرح (…-37 ه

- ‌عبد الجبار الهمداني (…-415 ه

- ‌عبد الرحمن بن مهدي (135 - 198 ه

- ‌عبد الوهاب خلاف (1306 ه

- ‌العضد (…-756 ه

- ‌العلائي (694 - 761 ه

- ‌علي المتقي الهندي (888 - 975 ه

- ‌(الشيخ) عُليش (1217 - 1299ه

- ‌عياض، القاضي (476 - 544 ه

- ‌الفاطميون:

- ‌القرافي (…-684 ه

- ‌القرطبي (…-671 ه

- ‌القشيري (376 - 465 ه

- ‌القفال (291 - 365 ه

- ‌الكرّامية:

- ‌الكرخي (260 - 340 ه

- ‌المازري (453 - 536 ه

- ‌المحلي (791 - 964 ه

- ‌محمد بن الحسن الشيباني (131 - 189 ه

- ‌محمد خليل هراس (…-1392 ه

- ‌النحّاس (…-338 ه

الفصل: ‌المبحث الثالث شروط صحة دلالة التقرير

‌المبحث الثالث شروط صحَّة دلالة التقرير

الشرط الأول: أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل. وسواء سمعه أو رآه مباشرة، وهو الأكثر من الأقارير المحتجّ بها. أو حصل في غيبته ونقل إليه، كما نقل إليه خبر تأخيرهم لصلاة العصر حتى غربت الشمس يوم بني قريظة.

أما إن لم يعلم به فليس حجة. وصنيع ابن حجر يدل على أنه يرى أن علمه صلى الله عليه وسلم بالأمر ليس شرطاً. فقد ذكر أن الصحابي إذا أضاف الفعل إلى زمان النبي صلى الله عليه وسلم يكون حكمه الرفع. قال: "لأنهم لا يقرون على فعل غير الجائز في زمان التشريع، وقد استدلّ جابر على إباحة العزل بكونهم كانوا يفعلونه والقرآن ينزل، ولو كان منهياً لنهى عنه القرآن"(1). اهـ.

والذي عليه الجمهور أن اشتراط العلم معتبر. وهو الصواب. وما نسبه ابن حجر إلى جابر الراجح أنه لا يصح منه إلا لفظ: "كنا نعزل والقرآن ينزل" دون قوله: "لو كان شيئاً ينهى عنه لنهى عنه القرآن"، وبأنه قد صح عن جابر عند مسلم أن ذلك بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينههم عنه، كما ذكره ابن حجر نفسه في موضع آخر (2). فكيف يحتجّ بما بلغه على ما لم يبلغه ولم يعلم به؟ وسيأتي لهذا توضيح أتم.

وعلى المختار، إن نقل إلينا أن الفعل وقع أمامه صلى الله عليه وسلم، أو أنه أُخبر به، فهو حجة عند كل من رأى الإقرار حجة.

وإن شككنا في علمه به فالأصل عدم العلم.

فإن كان الفعل انتشر بين الصحابة وكثر فيهم وكان مما يستبعد عدم اطلاعه

(1) فتح الباري 1/ 299

(2)

فتح الباري 6/ 309

ص: 104

عليه، غلب على الظن اطلاعه عليه، وعمل بمقتضى الإقرار (1). وكذا لو وجدت قرينة تدل على العلم.

فمثال ما لم يعلم به بعض ما كان في بلاد أخرى من العادات والعبادات وغيرها.

ومثال ما يشك في علمه به قول جابر: "كنا نعزل والقرآن ينزل". فإن العزل أمر يستسر به، ما لم يثبت بالنقل أنه بلغه. وقد ثبت ذلك في العزل كما ذكرناه آنفاً.

ولو أخبر صحابي أنه فعل شيئاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون إقراراً، لعدم القرينة الدالّة على علمه به.

ومثال ما انتشر بينهم حتى يستبعد خفاؤه عليه، قول أبي سعيد:"كنا نخرج صدقة الفطر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير أو صاعاً من برّ"(2).

وقول أنس: "إنهم كانوا ينتظرون العشاء، حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضأون"(3). ورواه مسلم بلفظ: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون"(4).

ومثال ما يغلب على الظن علمه به قول ابن عباس: "كانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك"(5).

ومثال ما وجدت القرينة على علمه به صلى الله عليه وسلم قول أسماء بنت أبي بكر: "نحرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلناه". فهو إقرار يدل على أن لحم الخيل مباح. وقال الحنفية: هو حرام، وكرهه المالكية وغيرهم.

(1) انظر إرشاد الفحول ص 41

(2)

رواه مسلم 7/ 61 ومالك والنسائي.

(3)

رواه أبو داود 1/ 339

(4)

صحيح مسلم 4/ 72

(5)

البخاري 11/ 88

ص: 105

وقال الذين لم يأخذوا برواية أسماء، إنه ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بذلك وأقره.

وأجاب من أخذوا بروايتها: إنه لا يُظَنّ بآل أبي بكر والزبير أنهم يقدمون على فعل شيء من مثل هذا، إلا وعندهم العلم بجوازه، لشدة اختلاطهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وآله، وعدم مفارقتهم له. وفي رواية الدارقطني لحديث أسماء:"فأكلنا نحن وأهل بيت رسول الله"(1).

وقيل إن كل ما نقله الصحابي في معرض الاحتجاج من أفعالهم، فإنه يدل على أنه بلغه صلى الله عليه وسلم فأقرّه (2)، فيكون حجة. قاله بعض الحنابلة، والأول قول الحنفية (3) وهو أصح، لاحتمال أن يكون العمل على ذلك اجتهاداً من الصحابي، بدليل أنه كانوا يفعلون أشياء باجتهادهم.

فتحصّل في قول الصحابي: كنا نفعل وكانوا يفعلون على عهده صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال (4):

أولها: أنه حجة مطلقاً، لأن ذكره في معرض الحجة يدل على بلوغه.

ثانيها: أنه ليس حجة ما لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم علم به فأقره.

ثالثها: التفصيل بين ما يستحيل خفاؤه عليه صلى الله عليه وسلم أو يستبعد، فيكون حجة، وبين ما ليس كذلك فلا يكون حجة، وهو الذي رجحناه، والله أعلم.

وهذا وقد يحتج بعض الفقهاء بالأمثلة التي ذكرناها من جهة أخرى، وهي أنها أفعال صحابة (5)، وفعل الصحابي حجة. وهي مسألة خلافية خارجة عن موضوع هذه الرسالة.

تنبيه: يتضمن هذا الشرط اشتراط عدم الغفلة عن الفعل. فإن الغافل غير عالم، وإن كان حاضراً.

(1) انظر المغني لابن قدامة 8/ 591 وفتح الباري 9/ 649

(2)

ابن تيمية: المسودة ص 298. أبو الحسين البصري: المعتمد 1/ 669

(3)

المسودة ص 298

(4)

الشوكاني: إرشاد الفحول 61

(5)

ابن تيمية: المسودة ص 298

ص: 106

الشرط الثاني: قال ابن الحاجب: أن يكون قادراً على الإنكار.

ويستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه". فهو يدل على سقوط الإنكار باليد واللسان عند العجز عنه. ولرخصة الله تعالى في قوله: {إلاّ من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} فرخّص في النطق بكلمة الكفر، فالسكوت أولى بالجواز.

وقد قال الباقلاني وتابعه الزركشي، بأن وجوب إنكار المنكر لا يسقط عنه صلى الله عليه وسلم بالخوف على نفسه، لدليلين:

الأول: أن الله ضمن له النصر والظفر، وكفاه أعداءه بقوله:{إنا كفيناك المستهزئين} .

الثاني: أن تركه الإنكار خوفاً، يوهم الجواز ونسخ النهي.

وقد سبق أن تكلمت في شأن عصمته صلى الله عليه وسلم من أذى الناس، وذكرت أن آية العصمة متأخرة في العهد المدني، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يُحْرس قبل ذلك حتى نزلت. وأما كفاية المستهزئين فهي خاصة بهم وليست عامة في من يخاف منه.

ولذلك يظهر لنا أن هذا الشرط معتبر في الإقرار في أوائل العهد المدني. أما في العهد المكّيّ فلم يتبعه صلى الله عليه وسلم إلا خُلّص المؤمنين، فلا خشية منهم. وأما بعد نزول آية العصمة فلا. وأما في العهد المدني قبل نزولها فيمكن تحقق الخشية من جهة بعض من مردوا على النفاق من أهل المدينة.

وإنما يعتبر هذا الشرط بقدره، وحيث يتحقق لخوفه صلى الله عليه وسلم على نفسه وجه. والأصل عدم الخوف. والله أعلم.

وأما استدلال الباقلاني بأن ترك الإنكار خوفاً يوهم الجواز، فإن الإمارات لا يخفى على الحاضرين، لو حصل شيء من ذلك. فلا يتحقق ما ذكر. والله أعلم.

الشرط الثالث: أن يكون المقرّ منقاداً للشرع، بأن يكون مسلماً، سامعاً مطيعاً. أما إن كان كافراً، فإن تقريره لا يدلّ على رفع الحرج. وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى على بِيَعهم وكنائسهم وعلى عبداتهم ورتبهم الكنسية، وبعض

ص: 107

مراسيمهم في العقود والأقضية وغيرها. وأزال أشياء أخرى كإيذاء المسلمين. وأقرّ المجوس على معابدهم، مع ما يعمل فيها من الكفر بالله والشرك به. واعتمر عمرة القضية، فطاف بالكعبة وعليها الأصنام وفيها الصور. وطاف بين الصفة والمروة، وعليهما تمثالان لإساف ونائلة. فلم يكن ذلك حجة على صحة ذلك الوضع. ومن أجل هذا لا يكون سكوته عن الإنكار على فعل الكافر حجة على رفع الحرج. ولكن هو مع ذلك حجة على أنه يجوز للأئمة إقرار أهل الذمة على مثل ما أقرهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا النوع هو من الاستدلال بالأفعال، لا من حيث إنه تقرير.

وأما المنافق فقد اختلف فيه، لأنه من حيث هو كافر في الباطن، فهو ملحق بالكافر، وبهذا قال الجويني. ووافقه السبكي والشوكاني وغيرهم.

أقول: وعندي في ذلك تفصيل، فأما من كان نفاقه خفياً لا يعلمه جمهور الصحابة، فهذا تجري عليه أحكام المسلمين، ويكون إقراره حجة.

وذهب آخرون إلى أن المنافق ملحق بالمؤمنين، لأنه تجري عليه أحكام المؤمنين ظاهراً، فيكون إقراره حجة.

وأما من كان نفاقه ظاهراً، وقد تمرّد وعتا وجاهر بنفاقه، فلا ينبغي أن يُشَكّ في أن إقراره ليس بحجة. وهذا كما رُوِي أن عبد الله بن أبيّ رجع بأصحابه عن مساعدة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد (1)، وكان له إماء:"يكرههن على البغاء (2) يأكل من كسبهن السحت، وحالف اليهودَ خشية أن تصيبه الدوائر، فكل ذلك لا حجة فيه على جواز مثله من المسلمين. وقد قال ابن مسعود في شأن الصلاة: "لقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلا منافق معلوم النفاق" (3).

وقد قال ابن تيمية: "إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبيّ وأمثاله من أئمة النفاق، لما لهم من أعوان. فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك، بغضب قومه وحميّتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن محمداً يقتل أصحابه"(4).

(1) سيرة ابن هشام 2/ 64

(2)

القصة في صحيح مسلم (تفسير القرطبي12/ 254).

(3)

رواه أبو داود 2/ 255 وابن ماجه.

(4)

الفتاوى الكبرى 28/ 131

ص: 108

الشرط الرابع: أن لا يكون قد عُلِم من حاله صلى الله عليه وسلم إنكاره لذلك الفعل قبل وقوعه وبعد وقوعه، حتى استقرّ ذلك شرعاً ثابتاً، وحكماً راسخاً لا يحتمل التغيير ولا النسخ. فلو خالفه مخالف فسكت عليه، لم يؤخذ بسكوته حجة، ووجب حمله على غفلة عنه، أو عدم علم به، أو عذر خاصّ علمه من الفاعل، أو اكتفاء بالبيان المتقدم، أو حال لم نطّلع عليه، أو غير ذلك مما يمنع تعدية الحكم إلى غير الفاعل. وذلك كعبادة غير الله، ونكاح المحارم، وشرب الخمر إذا أقرّ على ذلك أهل الذمّة.

وجعل الحنفية (1) والباقلاني والغزالي من هذا النوع ما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة مسروراً تبرق أسارير وجهه، فقال:"ألم تَرَيْ أن مُجزّزاً المدلجي نظر آنفاً إلى أسامة وزيد وقد غطّيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض"(2). وهو الحديث الذي احتجّ به الشافعي وغيره على إثبات النسب بقول القائف. قال الباقلاني: "هذا فيه نظر، فإن قول مجزز كان موافقاً لظاهر الحق، وكان المنافقون يبدون غميزة في نسب زيد وأسامة، قاصدين بذلك إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان الشرع حاكماً بالتحاق أسامة بزيد. فجرى قول مجزز منطبقاً على وفق الشرع والظاهر والأمر المستفيض الشائع"(3). وقال الغزالي في المنخول: "إنما سرّ صلى الله عليه وسلم بكلمة صدق. صدرت ممن هو مقبول القول فيما بين الكفار، على مناقضة قولهم لما قدحوا في نسب أسامة، إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تأذّى به"(4).

والصواب أن الحديث دليل صحة العمل بالقيافة، حيث لا تخالف ما ثبت بطريق شرعي. وقد قال الشافعي في المسألة:"إن الرسول لا يسره إلا الحق، فإذْ سرّه قوله تبيّن أنه من مسالك الحق"(5). والأمر الذي ادّعوا ظهوره غير ظاهر.

الشرط الخامس: أن لا يكون المقرّ ممن يزيده الإنكار سوءاً، ويغريه بشرٍ مما هو فيه.

(1) ابن دقيق العيد: الإحكام 2/ 222 تيسير التحرير 3/ 129

(2)

متفق عليه.

(3)

أبو شامة: المحقق ق 42 ب.

(4)

ص 229

(5)

أبو شامة: المحقق ق 42 ب.

ص: 109

فإن المعصية لها من حيث تأثير الإنكار فيها درجات.

الأولى: أن تزول بالإنكار ويخلفها الطاعة.

الثانية: أن تقلّ وإن لم تزل بجملتها.

الثالثة: أن يخلفها ما هو مثلها.

الرابعة: أن يخلفها ما هو شرّ منها.

فالإنكار في الأولى والثانية مشروع، وفي الثالثة موضع اجتهاد، وفي الرابعة محرم (1)، كفاسق باغ، لو ترك شرب الخمر واللعب بالقمار لانصرف إلى القتل، فلا يجوز نهيه.

وهذا واضح في حق إنكار غير النبي صلى الله عليه وسلم.

أما في حقه هو، فقد اختلف العلماء على قولين:

أولها: أنه كغيره فلا يجب عليه الإنكار، وهو قول المعتزلة، نسبه إليهم السمعاني في (القواطع)(2)، فلا يكون إقراره حجة، إذا علم من حال المقَرّ أنه يغريه الإنكار.

ثانيهما: أنه يجب عليه الإنكار، ولو علم ذلك، ليزول بالإنكار توهم الإباحة. ومن هذا الوجه يكون الرسول صلى الله عليه وسلم مخالفاً لغيره، وقال به الباقلاني (3) ورجحه السبكي والبناني (4) ونسب إلى الأشعرية.

الشرط السادس: اختلف في أن تكليف المقَرّ شرط أم لا. وقال البناني: "لا يقر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً على باطل. والظاهر دخول غير المكلف. لأن الباطل قبيح شرعاً. وإن صدر من غير المكلف، ولا يجوز تمكين غير المكلف منه وإن لم يأثم به، ولأنه يوهم من جهل حكم ذلك الفعل جوازه"(5).

(1) ابن القيم: أعلام الموقعين 3/ 15، 16 وانظر أيضاً: القرافي: الفروق 4/ 55 م.

(2)

ق 96 ب.

(3)

المحقق لأبي شامة 41 أ.

(4)

شرح جمع الجوامع 2/ 96

(5)

حاشيته على شرح جمع الجوامع 2/ 95

ص: 110

وتوقف فيه ابن أبي شريف، مع ميله إلى الاحتجاج به، يقول:"عِظَم منصبه صلى الله عليه وسلم مع كونه وليّ كل مسلم، وأولى بكل مسلم من نفسه وأهله، الذين منهم الأب والجد، يقتضي أن لا يقِرّ الصبي المميّز على باطلٍ"(1). ثم قال: "والقلب إلى هذا أميل. ولعلّ الله أن يفتح بما يرفع التوقف أصلاً".

الشرط السابع: أن لا يمنع من الإنكار مانع سوى ما تقدم. فإن وجد مانع صحيح أمكن إحالة الإقرار عليه، فلا يكون حجة.

ودليل هذا الشرط تركه صلى الله عليه وسلم نقض الكعبة، للمانع الذي ذكره كما تقدم.

ويستدل له أيضاً بما ورد (2) عن طفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها، "أنه رأى في ما يرى النائم كأنه مرّ برهط من اليهود، فقال من أنتم؟ قالوا: اليهود. قال: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيراً ابن الله. فقالت اليهود: وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد. ثم مرّ برهط من النصارى فقال: من أنتم؟ قالوا: النصارى. قال: إنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله. قالوا: وإنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وما شاء محمد. فلما أصبح أخبر بها من أخبر. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. فقال: هل أخبرت بها أحداً؟ قال: نعم. فلما صلّوا خطبهم، ثم قال: إن طفيلاً رأى رؤيا، فأخبر بها من أخبر منكم. إنكم كنتم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها. قال: لا تقولوا ما شاء الله وما شاء محمد". هذه رواية أحمد. وفي رواية ابن ماجه، قال:"أما والله إن كنت لأعرفها لكم، قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد".

فأخبر أنه كان قد أقرّهم عليها، والظاهر أنه لم يكن نزل فيها شيء من الوحي صريح. وذكر الحياء في الحديث اختلفت فيه الروايات، فلا يؤخذ مسلماً.

(1) حاشية (المخطوطة) على شرح جمع الجوامع ق 175 أ.

(2)

رواه أحمد 5/ 72 واللفظ له وابن ماجه 1/ 684 مختصراً وقال في الزوائد: إسناده صحيح على شرط البخاري.

ص: 111

ومن هذه الموانع أن يسكت صلى الله عليه وسلم في انتظار الوحي، ويعلم ذلك من حاله، فلا يكون سكوته قبل البيان حجة على انتفاء الحرج في الفعل.

وجعل القشيري من هذا النوع (1) أن لا يكون صلى الله عليه وسلم مشتغلاً ببيان حكم من الأحكام، مستغرقاً فيه. فلو كان كذلك فرأى إنساناً على أمر ولم يتعرّض له، فلا يكون إقراره حجة، إذ لا يمكنه بيان جميع الأحكام دفعة واحدة.

ونحن نقول: إن ما استدل به من عدم إمكان بيان جميع الأحكام دفعة واحدة حق. ولكن يمكن بيان الحكم بعد انتهائه مما هو بصدده، بل قد قطع صلى الله عليه وسلم خطبته يوم الجمعة ليقول لأحد القادمين:"اجلس فقد آذيت وآنيت"(2).

ولكن لكلام ابن القشيري وجه من جهة أخرى. وهي أنه لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم إنساناً من الناس على حال سيئة وقد جمع من الجهل والمعاصي صنوفاً، فهل ينكرها عليه جميعاً أم يعتني بنهيه عن أكبرها ويتجاهل أصغرها فلا ينهى عنه، كما هو مقتضى الحكمة، وكما يشهد له تنزل الأوامر والنواهي الشرعية بالتدريج، حتى إن تحريم الربا والخمر، تأخر إلى أواخر العهد المدني؟ والظاهر أن الطريقة الثانية هي التي كان يسير عليها النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أقر أهل الطائف على إسلامهم مع ترك الزكاة والجهاد (3)، فلم يكن ذلك حجة في جواز ترك الزكاة والجهاد.

وخلاصة هذه الشروط ما قال أبو شامة: "حاصل ضبط هذا الباب أن نقول: كلّ فعل أقَرَّ عليه، ولا مانع من الإنكار، أفاد جوازه، إلاّ في ما علم من دينِه إنكاره أبداً، كأديان الكفرة، فإن سكوت لا أثر له"(4).

(1) البحر المحيط للزركشي 2/ 257 ب.

(2)

المحقق ق 41 ب.

(3)

أبو داود 8/ 265 وأحمد 4/ 218 ولفظ أبي داود من رواية جابر "اشترطت (ثقيف) على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد وإنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول: سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا".

(4)

المحقق ق 41 ب.

ص: 112