الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصدقت
…
} (1) الآيات يستدل بها على العمل بالقرائن.
5 -
قول أصحاب النار لما قيل لهم: {ما سلككم في سقر * قالوا لم نَكُ من المصلين * ولم نَكُ نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين} (2).
استدل به الأصوليون على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة.
النوع الثاني: تقريره تعالى لما كان الصحابة يفعلونه في عصر نزول الوحي وليس المراد كل ما يفعلونه حتى المعاصي التي ربما كان بعضهم يفعلها ويستخفي بها، وإنما المراد ما كانوا يفعلونه على أنه مما يأمر به الشرع أو يجيزه.
لقد ذكر هذا النوع ابن تيمية والتزم أنه حجة، وذلك في ما نقلناه عنه قريباً. يقول:"الأصل قول الله، وفعله، وتركه القول وتركه الفعل، وقول رسوله، وفعله، وتركه القول والفعل" قال هذا تثبيتاً لما ذكره عن أبي سعيد الخدري في شأن العزل إنه قال: "كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئاً يُنهى عنه لنهى عنه القرآن". ثمّ قال ابن تيمية: "فهذا لا يحتاج إلى أن يبلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم، لكن هذا المأخذ قد ذكره أبو سعيد ولم أر الأصوليين تعرضوا له"(3).
رأينا في هذا الأصل:
تحقيقاً للمسألة نبيّن أن هذه اللفظة التي نسبت إلى أبي سعيد، وهي:"لو كان شيئاً يُنهى عنه لنهانا عنه القرآن" وردت في كلام بعض الفقهاء والأصوليين منسوبة إلى أبي سعيد الخدري، وإلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. أما رواية أبي سعيد في العزل فليس فيها هذه الجملة أصلاً في مجموع الروايات التي ذكرت في (جامع الأصول) وأنما الذي فيها:"أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: لا عليكم أن لا تفعلوا، فإنما هو القدر"(4). ولم ترد في (كنز العمال) أيضاً. فالظاهر أنها لا أصل لها.
(1) سورة يوسف: آية 25
(2)
سورة المدثر: آية 42 - 44
(3)
المسودة ص 298
(4)
صحيح مسلم (عبد الباقي) 2/ 1062. جامع الأصول 12/ 104
وأما رواية جابر، فقد رواها مسلم. قال:"حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، قال إسحاق أخبرنا، وقال أبو بكر حدثنا، سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن جابر، قال: كنا نعزل والقرآن ينزل. زاد إسحاق قال سفيان: لو كان شيئاً يُنهى عنه لنهانا عنه القرآن". اهـ. رواية مسلم.
أقول: الظاهر في هذه الرواية أن هذه الجملة الأخيرة ليست من كلام جابر، بل هي من كلام سفيان. ويحتمل أن تكون من كلام جابر. ولكن قد أخرجه مسلم والبخاري أيضاً وغيرهما من روايات أخرى فلم يذكروها في كلام جابر. وإنما الذي فيه في بعض الروايات عند مسلم:"فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا".
فكلا الصحابيّين ذكرا أن هذا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم. ولم ينه عن ذلك، وليس في كلامهما الاحتجاج بتقرير الله تعالى، بل الاحتجاج بتقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولعلّ الذي غرّ بعض أهل العلم، ما صنعه صاحب (العمدة) إذ اختصر حديث مسلم، وأدرج كلمة سفيان في الحديث (1)، ولم يكن له أن يفعله. وغفل ابن دقيق العيد فلم يشر إلى ذلك. وشرح الحديث على حاله، فقال:"استدلال جابر بتقرير الله تعالى غريب، وكان يحتمل أن يكون الاستدلال بتقرير الرسول. لكنه مشروط بعلمه بذلك، ولفظ الحديث لا يقتضي إلاّ الاستدلال بتقرير الله تعالى". اهـ.
ومن هنا كان الصواب في المسألة، أن تقرير الله في زمن الوحي يكون حجة بشرط أن يبلغ الفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحتجّ بذلك على ما لم يبلغه. وكلام الشوكاني في ذلك محرر جيد، وذلك حيث يقول في نيل الأوطار، في شرح هذا الحديث:"فيه جواز الاستدلال بالتقرير من الله ورسوله على حكم من الأحكام، لأنه لو كان ذلك الشيء حراماً لم يقررا عليه، لكن بشرط أن يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم"(2).
وبهذا يتبيّن ما في كلام ابن تيمية رحمه الله، السابق ذكره، من المؤاخذة. ويتبيّن أيضاً أن إعراض الأصوليين عن هذا النوع إنما هو لعدم استقلاله بالاحتجاج. والله أعلم.
(1) شرح عمدة الأحكام 2/ 224
(2)
6/ 209