الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدلّ على المطابقة، لأن مأخذ المسألة ومناطها، أعني كون التقرير حجة، هو العصمة من التقرير على باطل، وذلك يتوقف على تحقق البطلان، ولا يكفي فيه عدم تحقق الصحة" (1). اهـ.
2 - الإقرار على الأفعال:
إن تقرير النبي صلى الله عليه وسلم أحداً على فعل، يدلّ على أن لا حرج في ذلك الفعل. وذلك يصح في الفعل إذا انتفى أن يكون حراماً. فإن الحرام هو الذي يأثم فاعله ويعصي به، وهو المنكر الذي أمر صلى الله عليه وسلم بإنكاره.
فما أقرّ عليه إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً.
وأما المكروه، فالمشهور عند الأصوليين أنه صلى الله عليه وسلم لا يُقِر عليه. وذلك مشكل. ووجه إشكاله أن المكروه ليس معصية، بل يؤجر من تركه لله، وأما من فَعَله فلا إثم عليه. فليس هو معصية حتى يلزم النبي صلى الله عليه وسلم إنكاره.
هذا ما يبدو بادي الرأي.
ولكن لما كان المكروه مطلوب الترك، وهو منهي عنه، فهو منكر من هذه الناحية. فلا يترك النبي صلى الله عليه وسلم إنكاره وإن لم يكن معصية. وإنما يرفع الحرج عن فاعله بعد أن يقع، أما قبل وقوعه فهو يستحق النهي عنه كالمحرمات.
والحاصل أن المنكر الذي يستحق الإنكار، أعمّ من المعصية.
ويقول الشاطبي: "المكروه غير داخل تحت ما لا حرج فيه، لأن المراد بما لا حرج فيه هنا ما قبل الوقوع. ولا شك أن فاعل المكروه مصادم للنهي بحتاً كما هو مصادم في الفعل المحرم، ولكن خفة شأن المكروه، وقلة مفسدته، صيرته -بعدما وقع- في حكم ما لا حرج فيه، استدراكاً له من رفق الشارع بالمكلف. ومما يتقدمه من فعل الطاعات، تشبيهاً له بالصغيرة التي يكفّرها كثير من الطاعات"(2).
(1)(الإمام) لابن دقيق شرح (الإلمام في أحاديث الأحكام) من خير ما كتب ابن دقيق العيد. وقد أثنى الزركشي على (الإمام) جداً، وقال:(به ختم التحقيق في هذا الفن) يعني فن أصول الفقه، لما أورد فيه من التحقيقات الأصولية. ويظهر أن الإمام مفقود الآن.
(2)
الموافقات 4/ 67، 68
هذا وقد أثبت الشاطبي (1) نوعاً من الإقرار لا يدل على الإباحة الصرفة. وهو أن يقر أحداً على شيء ثم يتنزه عنه هو، كإقراره عائشة على بيان بعض شأن الحيض للمرأة السائلة وتركه هو صلى الله عليه وسلم. وكإقراره بعض شأن الليل والغناء مع إعراضه عن سماعه.
والذي يظهر من كلام ابن حزم أنه يرى جواز الإقرار على المكروه، فإنه يقول:"الشيء إذا تركه صلى الله عليه وسلم ولم ينهَ عنه ولا أمر به، فهو عندنا مباح أو مكروه، من تركه أُجِر، ومن فعله لم يأثم ولو يؤجر، كمن أكل متكئاً، ومن استمع زمارة الراعي. فلو كان ذلك حراماً ما أباحه لغيره، ولو كان مستحباً لفعله، فلما تركه كارهاً له كرهناه ولم نحرمه"(2).
ويقول أيضاً: "إن كان قد تقدم في ذلك الشيء نهي فقط ثم رآه صلى الله عليه وسلم أو علمه فأقره، فإنما ذلك بيان أن ذلك النهي على سبيل الكراهة فقط"(3). وجعل منه إقراره صلى الله عليه وسلم لصحابته على الصلاة خلفه وهم قيام وهو جالس، وكان قد نهاهم عن ذلك.
هذا وإن من مشكل التقارير ما روى البخاري، واللفظ له، ومسلم، عن أم عطية، قالت: بايعْنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ علينا:{أن لا يشركن بالله شيئاً} ونهانا عن النياحة. فقبضت امرأة يدها، فقالت: أسعدَتْني فلانة، فأريد أن أجزيها، فما قال لها النبي شيئاً -وفي رواية مسلم قالت: إلاّ آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية، فلا بدّ لي أن أسعدهم. قال: إلاّ آل فلان- فانطلقت ورجعت، فبايَعَها.
فظاهره أنه أذن لها في المحرم.
وقد اختلف تخريج العلماء له، فمنهم من تخلّص بأنه خاص بتلك المرأة. ومنهم من قال: أذن لها في البكاء دون صوت. ومنهم من قال: ليست النياحة
(1) الموافقات 4/ 72
(2)
الإحكام ص 484
(3)
الإحكام ص 437