الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا بيان واضح يدل على بعض ما ذكرنا. والذي نقوله إن القول فعل، سواء تعلق بالغير أو لم يتعلق به.
وقول أبي الحسين هذا، كافٍ للردّ على استدلال ابن دقيق العيد على التباين بين (القول) و (الفعل) باستعمالها متقابلين في كلام الفصحاء، ووجه الردّ أن التباين عارض يعرض إذا استعملا متقابلين مجتمعين في كلامٍ واحد، أما إذا استعملا في كلامين فإن (القول) يدخل في (الفعل) من الوجه الذي ذكرناه.
ضابط للتفريق بين وجهي القول:
إن الضابط لذلك أنه حيث كان الاستدلال بالقول يقتضي أن نقول مثل ما قال صلى الله عليه وسلم، فهو استدلال بالوجه الفعلي للقول.
وحيث كان الاستدلال بالقول يقتضي أن نفهم ما قال ونمتثله، فهو استدلال بالوجه القولي.
وبهذا المعنى الذي أشرنا إليه يتضح لنا مبنى الخلاف في ما يختلف فيه من مثل (القضاء) و (البيع) وسائر العقود، و (الأمر) و (النهي) ونحوها.
فقد اختلف فيها هل هي أقوال أم أفعال. فمن قال: إنها أقوال، نظر إلى الصيغة، ومن قال: إنها أفعال، نظر إلى الإيقاع والتعلق.
فمن ذلك قضاء القاضي بين الخصمين، فإنه قول، لأنه عبارة عن قول القاضي "حَكَمْتُ بكذا". ولكن لأنه يتعلق بالخصمين، ويكون كفّاً لأحدهما عن الآخر وفصلاً بينهما، فهو من هذه الجهة فعل. وقد جعل الجصاص القضاء بين شخصين فعلاً دالاً على الوجوب. وقال ابن الهمام:"القضاء قولٌ يكون معه عموم وخصوص"، وقال أبو الحسين البصري:"إن القضاء قولٌ هو فعل"(1) وهو أوضح من كلام غيره.
(1) انظر أصول الجصاص ق 208 ب، تيسير التحرير 1/ 249، المعتمد 1/ 387 وانظر أيضاً: القرافي: الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص 75 وصحيح ابن حبان 1/ 107