المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌درجات التقرير من حيث القوة: - أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية - جـ ٢

[محمد سليمان الأشقر]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني الأفعال غير الصريحة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول الكتابة

- ‌المطلب الأول هل الكتابة قول أو فعل

- ‌البيان بالكتابة:

- ‌المطلب الثاني منزلة الكتابة من القول عند الفقهاء والمحدثين

- ‌المطلب الثالث التعارض بين الكتابة وغيرها

- ‌الفَصل الثاني الإشارة

- ‌الإشارة فعل:

- ‌المطلب الأول كيفية الدلالة بالإشارة

- ‌المطلب الثاني الإشارة عند الفقهاء

- ‌المطلب الثالث حكم البيان بالإشارة

- ‌ما وقع في السنة من البيان بالإشارة:

- ‌الذي وقع في السنة من البيان بالإشارة ثلاثة أنواع:

- ‌المطلب الرابع التعارض بين الإشارة والقول

- ‌المطلب الخامس هل كانت بعض الإشارات ممتنعة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث الأوجُه الفِعليَّة لِلقَول

- ‌المبحث الأوّل التفريق بين الوجه العباري وبين الوجه الفعلي للقول

- ‌ضابط للتفريق بين وجهي القول:

- ‌ما يدخل تحت هذه القاعدة:

- ‌المبحث الثاني حصر الأوجه الفعليَّة للقول

- ‌الفصل الرابع التركتمهيد في حقيقة الترك:

- ‌هل الكفّ فعل من الأفعال

- ‌تقسيمنا لمباحث الترك:

- ‌المبحث الأوّل البيان بالترك

- ‌الترك وسيلة لبيان الأحكام، كالفعل:

- ‌ما يحصل بالترك من أنواع البيان:

- ‌المبحث الثاني أقسام الترك والأحكام التي تدل عليها

- ‌تفريق القاضي عبد الجبار في التأسيّ بين الترك والفعل ومناقشتنا له في ذلك:

- ‌تكرار الترك:

- ‌المبحث الثالث الترك المطلق والترك لسبب

- ‌أسباب الترك:

- ‌المبحث الرّابع نقل الترك

- ‌الفَصل الخامس السُّكوت

- ‌أنواع السكوت:

- ‌المطلب الأول السكوت لعدم وجود حكم في المسألة

- ‌السكوت عن بعض الأحكام مع بيان بعض آخر:

- ‌المطلب الثاني السكوت لمانع

- ‌المطلب الثالث ترك الحكم في حادثة هل يوجب ترك الحكم في نظيرها

- ‌المطلب الرابع ترك الاستفصال عند الإفتاء ومدى دلالته على عموم الحكم

- ‌رأينا في المسألة:

- ‌فروع تنبني على هذه القاعدة:

- ‌الفرع الأول: من أسلم على أختين

- ‌الفرع الثاني: قضاء رمضان عن الميت:

- ‌الفصل السادس التقرير

- ‌المبحث الأول الإنكار وما يحصل به

- ‌أنواع الإنكار:

- ‌الإنكار وخصائصه في بيان الأحكام:

- ‌المبحث الثّاني حجية التقرير

- ‌أدلة القول الأول:

- ‌أدلة القول الثاني:

- ‌درجات التقرير من حيث القوة:

- ‌المبحث الثالث شروط صحَّة دلالة التقرير

- ‌المبحث الرّابع أنواع التقرير ودلالة كُلٍّ منهاأنواع التقرير:

- ‌الأحكام التي تدل عليها التقارير:

- ‌1 - الإقرار على الأقوال:

- ‌2 - الإقرار على الأفعال:

- ‌كيفية معرفة حكم الفعل المقرّ عليه:

- ‌الإقرار على ما كان في الجاهلية واستمر في أول الإسلام:

- ‌3 - الإقرار على الترك:

- ‌المبحث الخامس تعدية حكم التقرير لغير المقرر

- ‌المبحث السادس في مسائل متفرقة

- ‌المسألة الأولى: ذكر الأمر في أثناء القول هل يكون تقريراً:

- ‌المسألة الثانية: السكوت على ما يوهمه القول الجائز:

- ‌المسألة الثالثة: الإقرار على الفعل الحادث، والفعل المستدام:

- ‌المسألة الرابعة: بين قاعدة الإقرار وقاعدة "لا ينسب للساكت قول

- ‌المسألة الخامسة: سعة دلالة التقرير:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌الفصل السابع الهمّ بالفعل

- ‌هل الهمّ بالشيء حجة

- ‌الفصل الثامن الملحقات بالأفعال النبوية

- ‌المبحث الأوّل أفعاله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة

- ‌المبحث الثاني الشمائل النفسيّة (الأخلاق)

- ‌المبحث الثالث فعله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا

- ‌المطلب الأوّل إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، يفعل فعلاً، فرؤيا الأنبياء حق

- ‌المطلب الثاني من رأى في المنام النبي صلى الله عليه وسلم يفعل

- ‌أخذ الأحكام الشرعية من فعله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا:

- ‌المبحث الرّابع ما فعل به صلى الله عليه وسلم بعد موته

- ‌وجه الاحتجاج بذلك:

- ‌المبحث الخامس أفعال الله تعالى

- ‌قولنا في ذلك:

- ‌الأوجه الفعلية لقوله تعالى:

- ‌المبحث السادس تقرير الله تعالى

- ‌رأينا في هذا الأصل:

- ‌المبحث السابع أفعال أهل الإجماع

- ‌الباب الثالث التعارض والترجيح

- ‌مقدمة في الاختلاف بين الأدلة

- ‌العمل عند اختلاف الأدلة:

- ‌الخطوة الأولى: الجمع بين الدليلين:

- ‌الخطوة الثانية: النسخ:

- ‌الخطوة الثالثة: الترجيح بين الدليلين:

- ‌الخطوة الرابعة: التوقف أو التخيير:

- ‌الفصل الأوّل التعارض بين الفعل والفعل (ويدخل فيه التعارض بين الفعل والترك)

- ‌مذاهب الأصوليين في ذلك:

- ‌تحرير محل النزاع:

- ‌قولنا في المسألة:

- ‌مسألة اختلاف الفعلين قلة وكثرة:

- ‌الفصل الثاني تعارض الأقوال والأفعال

- ‌المبحث الأوّل أسبابُ الاختلاف بين القول والفعل

- ‌العمل عند اختلاف مقتضى الفعل والقول:

- ‌المبحث الثاني الجمع بين القول والفعل إذا اختلفا

- ‌تخصيص العموم بفعله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالث القول الذي يعارضه الفعل

- ‌تكرر مقتضى القول:

- ‌المبحث الرّابع الفعل الذي يصح معارضته للقول

- ‌الشرط الأول: قيام دليل خاص على وجوب التأسّي بالفعل:

- ‌الشرط الثاني:

- ‌المبحث الخامس نسخ حكم الفعل بالقول وعكسُه

- ‌المبحث السادس العمل عند التعارض مع الجهل بالترتيب الزّمني

- ‌المبحث السَّابع الصَّور التفصيلية لاختلاف القول والفِعل

- ‌جدول الصور التفصيلية لاختلاف القول والفعل

- ‌مسالك الأصوليين في تعدد الصور التفصيلية:

- ‌أمثلة تعين على إيضاح ما تقدم

- ‌الفصل الثالث تعارض الفعل والأدلة الأخرى

- ‌أولاً - القرآن:

- ‌ثانياً- الإجماع:

- ‌ثالثاً- القياس:

- ‌قولنا في المسألة:

- ‌الفصل الرابع اختلاف التقرير والقَول أو الفِعْل

- ‌المبحث الأوّل اختلاف التقرير والقول

- ‌صور اختلاف التقرير والقول:

- ‌أمثلة على اختلاف القول والتقرير:

- ‌المبحث الثاني اختلاف التقرير والفعل

- ‌أمثلة على اختلاف الفعل والتقرير:

- ‌ختام

- ‌ملحق الصور التفصيلية لاختلاف القول والفعل مع بيان الحكم في كل منهما

- ‌القُطبُ الأوَّل

- ‌القُطبُ الثَّاني

- ‌القُطبُ الثالِث

- ‌القطب الرَّابع

- ‌المَرَاجع

- ‌فهرس الأعلام

- ‌الآمدي (551 - 631 ه

- ‌ابن أبي جمرة (…-695 ه

- ‌ابن أبي الحديد (586 - 655 ه

- ‌ابن أبي شريف (822 - 906 ه

- ‌ابن أبي هريرة (…-345 ه

- ‌ابن الأثير (544 - 606 ه

- ‌ابن أمير الحاج (…-889 ه

- ‌ابن تيمية (661 - 728 ه

- ‌ابن تيمية (الأب) (627 - 682 ه

- ‌ابن تيمية الجد (…-652 ه

- ‌ابن جماعة: (639 - 733 ه

- ‌ابن الجوزي (508 - 597 ه

- ‌‌‌ابن الحاج (…-737 ه

- ‌ابن الحاج (…-737 ه

- ‌ابن حبان (…-354 ه

- ‌ابن حجر العسقلاني (773 - 852 ه

- ‌ابن حزم (384 - 456ه

- ‌ابن خلاّد (…-360 ه

- ‌ابن خلدون (732 - 808 ه

- ‌ابن خويز (…-390 هـ تقريباً):

- ‌ابن دقيق العيد (702 ه

- ‌ابن رشد (450 - 520 ه

- ‌ابن سريح (249 - 306 ه

- ‌ابن سعد (168 - 230 ه

- ‌ابن سيده (398 - 458 ه

- ‌ابن سيرين (33 - 110 ه

- ‌ابن عبد السلام (577 - 660 ه

- ‌ابن عبدان (…-433 ه

- ‌ابن العربي (468 - 543 ه

- ‌ابن عقيل (431 - 513 ه

- ‌ابن عليّة (110 - 193 ه

- ‌ابن فورك (…-406 ه

- ‌ابن قاسم (…-992 ه

- ‌ابن قدامة (541 - 620 ه

- ‌ابن القيم (691 - 751 ه

- ‌ابن اللحام (752 - 803 ه

- ‌ابن مسعود (…-32 ه

- ‌ابن الملقن (723 - 804ه

- ‌ابن المنذر (242 - 319 ه

- ‌ابن منظور (630 - 711 ه

- ‌ابن الهمام (790 - 861 ه

- ‌ابن واصل (604 - 697 ه

- ‌أبو إسحاق المروزي (…-340 ه

- ‌أبو الحسين البصري (…-436 ه

- ‌أبو الخطاب (432 - 510 ه

- ‌أبو شامة (559 - 665 ه

- ‌أبو الشعثاء (21 - 93 ه

- ‌أبو عبد الله البصري (…-370 ه

- ‌أبو يعلى (380 - 458ه

- ‌أبو يوسف (113 - 182 ه

- ‌الأبياري (557 - 618 ه

- ‌الأرموي (594 - 682 ه

- ‌الإسفراييني، أبو حامد (344 - 406 ه

- ‌الإسنوي (704 - 772 ه

- ‌الإصطخرى (244 - 328 ه

- ‌إلكيا الطبري (450 - 504 ه

- ‌أم سليم (…-30 ه

- ‌أمير بادشاه (…-987 ه

- ‌الباقلاني (338 - 403ه

- ‌البخاري (…-730 ه

- ‌البزدوي (…-482 ه

- ‌بشر الحافي (150 - 227 ه

- ‌البلقيني (724 - 805 ه

- ‌البيضاوي (…-685 ه

- ‌التفتازاني (712 - 791ه

- ‌التهانوي (…- بعد 1158 ه

- ‌التميمي (317 - 371ه

- ‌الثوري (97 - 161 ه

- ‌الجبائي، أبو علي (235 - 303ه

- ‌الجصاص (…-370 ه

- ‌جولد زيهر، أجناس (1266 - 1340 ه

- ‌الجويني (419 - 478 ه

- ‌حاجي خليفة (1017 - 1067 ه

- ‌الحارث المحاسبي (…-243 ه

- ‌الحليمي (338 - 403ه

- ‌خالد الأزهري (838 - 905 ه

- ‌الخطابي (…-388 ه

- ‌الدهلوي (1110 - 1176 ه

- ‌الرازي (543 - 606 ه

- ‌الرَّوياني (415 - 502 ه

- ‌الزركشي (745 - 794 ه

- ‌زكريا الأنصاري (826 - 926 ه

- ‌الزيدية:

- ‌السبكي (727 - 771 ه

- ‌السرخسي (…-483 ه

- ‌السمعاني (426 - 489 ه

- ‌سهل التستري (200 - 283 ه

- ‌السهيلي (508 - 581 ه

- ‌السيوطي (849 - 911 ه

- ‌الشربيني (…-1326 ه

- ‌شريح (42 ق. هـ-78 ه

- ‌الشوكاني (1173 - 1250ه

- ‌الشيرازي (393 - 476 ه

- ‌صدر الشريعة (…-747 ه

- ‌الصغاني (577 - 650 ه

- ‌الصنعاني (1099 - 1182ه

- ‌الصيرفي (…-330 ه

- ‌الطحاوي (239 - 321ه

- ‌العاقولي (733 - 797 ه

- ‌عبد الله بن سعد بن أبي السرح (…-37 ه

- ‌عبد الجبار الهمداني (…-415 ه

- ‌عبد الرحمن بن مهدي (135 - 198 ه

- ‌عبد الوهاب خلاف (1306 ه

- ‌العضد (…-756 ه

- ‌العلائي (694 - 761 ه

- ‌علي المتقي الهندي (888 - 975 ه

- ‌(الشيخ) عُليش (1217 - 1299ه

- ‌عياض، القاضي (476 - 544 ه

- ‌الفاطميون:

- ‌القرافي (…-684 ه

- ‌القرطبي (…-671 ه

- ‌القشيري (376 - 465 ه

- ‌القفال (291 - 365 ه

- ‌الكرّامية:

- ‌الكرخي (260 - 340 ه

- ‌المازري (453 - 536 ه

- ‌المحلي (791 - 964 ه

- ‌محمد بن الحسن الشيباني (131 - 189 ه

- ‌محمد خليل هراس (…-1392 ه

- ‌النحّاس (…-338 ه

الفصل: ‌درجات التقرير من حيث القوة:

علم من حاله صلى الله عليه وسلم، إذ كان لا يكرّر على الكفار والمشركين الإنكار في كل يوم وكل حال. وإنما قد بيّن لهم ما حصل به البيان الكافي، القاطع للعذر، وقاتلهم حتى أعطوا الجزية وهم صاغرون، فلو تركهم بعد ذلك لم يُظَنَّ أنّ الحكم قد تغيّر.

إلاّ أن هذا النوع خارج عن الإقرار الذي يحتجّ به. فإن شرطه أن يكون المَقرّ مسلماً ملتزماً، وفي المنافق خلاف. فكيف يَترك المسلمَ الملتزمَ المطيع المتّبع، يفعل المنكر، فلا ينهاه عنه.

ولو سُلِّم أن الإقرار على مثل ذلك جائز في بعض الأحوال، لوجب افتراض أن ذلك نادر (1)، خاصة وأن أصحابه صلى الله عليه وسلم أبرّ هذه الأمة قلوباً، وأسرعها امتثالاً لأمر نبيّها، الذين شهدوا برسالته، وبذلوا أنفسهم لله في طاعته.

فإذا كان كذلك فالنادر لا حكم له، والحكم للأعمّ الأغلب. والله أعلم.

‌درجات التقرير من حيث القوة:

قد يقترن بالتقرير ما يقوّي دلالته على الموافقة والرضا. فيكون على درجات:

1 -

فأعلاه أن يقترن به الثناء على الفعل، ومدح فاعله. كقوله:"إنّ الأشعريّين إذا أرملوا في الغزو، أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة، جعلوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم"(2). ولمّا قال معاذ: "أقضي بكتاب الله، ثم بسنة رسول الله، ثم أجتهد رأيي"(3). قال صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله".

2 -

ودون ذلك أن يساعد على العمل، ويقوم فيه بدور. ومثاله قيامه صلى الله عليه وسلم مع عائشة لتنظر إلى الحبشة وهم (يزفنون)(4) في المسجد يوم العيد. فقد قام لها، وخدّها على كتفه ليسترها ويمكّنها من رؤيتهم، والنظر إلى زفنهم.

(1) انظر الآمدي: الإحكام 1/ 271

(2)

رواه مسلم 16/ 6 والبخاري.

(3)

مسند أحمد 5/ 236، 242

(4)

الزفن: الرقص.

ص: 100

ومثله أن يُفعل الفعلُ به هو صلى الله عليه وسلم، فيقر على ذلك. كتطييب عائشة له قبيل الإحرام، وترجيلها له وهو معتكف. وهذا النوع من التقرير، لقوته، قد يجعله البعض من الأفعال (الصريحة).

3 -

ومثل ذلك أن يستحل ما حصل من الفعل، كأكله صلى الله عليه وسلم من حصيلة رقية بن مسعود. قال صلى الله عليه وسلم:"أقسموا وأضربوا لي معكم بسهم"(1)، وصيد أبي قتادة إذ كان مع المحرمين، وصاد حمار وحش، وبقيت منه بقية فأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم (2). وعنبر أبي عبيدة أكل منه صلى الله عليه وسلم (3). وكوطئه جاريته مارية التي أهداها له المقوقس، فهو إقرار يدل على صحة تملك الكفار لرقيقهم.

4 -

ودون ذلك: أن يسكت صلى الله عليه وسلم مع الاستبشار، وإظهار علامات الرضا والقبول. فذلك حجة واضحة. لأن استبشاره لا يكون بما يخالف الشريعة. ومثاله حديث عبد الله بن مغفل قال:"أصبت جراباً من شحم يوم خيبر. قال: فالتزمته، فقلت: لا أعطي اليوم أحداً من هذا شيئاً. قال فالتفتُّ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسماً"(4).

ومثله أيضاً تبسّمه لما اشتكت إليه امرأة رفاعة القرظي زوجها، وقالت:"وإنما معه مثل هدبة الثوب"(5). فذلك إقرار يدل على جواز التصريح بمثل ذلك في معرض الدعوى.

ومن هذا النوع عند الشافعية، ما ورد عن عائشة أنها قالت:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليّ مسروراً تبرق أسارير وجهه. فقال: ألم تري أن مُجَزِّزاً نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض؟ "(6).

وفي هذا المثال للحنفية بحث يأتي ذكره إن شاء الله.

(1) مسند أحمد 3/ 83

(2)

مسلم 13/ 87

(3)

مسلم 8/ 110

(4)

مسلم 12/ 102 والبخاري.

(5)

مسلم 10/ 2 والبخاري.

(6)

مسلم 10/ 40 والبخاري.

ص: 101

وقد يظهر النبي صلى الله عليه وسلم الاستبشار أحياناً مع من تبيّن إصرارهم على الفحش. ويكون ذلك منه نوعاً من السياسة، ولا يكون رضاً بما هم عليه من سوء الحال. ومثال هذا ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:"استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام -وفي رواية قالت عائشة: فلم أنشب أن سمعت ضحكه معه- قلت: يا رسول الله، قلتَ الذي قلتَ، ثم ألنت له الكلام؟ قال: أيْ عائشة، إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه".

أما مع المسلم المنقاد للشرائع، فإن الاستبشار لا يكون بما يخالف ظاهره الحق.

5 -

ودون ذلك أن يسكت سكوتاً مجرداً، لا يظهر رضا ولا كراهة. وهذا النوع حجة أيضاً، لأنه الأصل في التقرير وقد بينا أدلة حجيته.

6 -

ودون ذلك أن يسكت مع إظهار الانزعاج، أو الضيق والتبرّم، وكل ما يدلّ على عدم الرضا.

وفي هذا النوع يقع التعارض بين دلالة سكوته على الجواز وانتفاء الحرج، ودلالة انزعاجه وتبرّمه على الكراهة. فوقع فيه الخلاف أهو إقرار أم إنكار. وقد رأى السبكي دلالة السكوت على الجواز بعدم ظهور الاستبشار منه صلى الله عليه وسلم. يقول السبكي:"سكوته صلى الله عليه وسلم على الفعل، ولو غير مستبشر، دليل الجواز للفاعل"(1). وهذا منه شامل للحالتين الخامسة والسادسة.

وعندي أن القول بأن إظهار الانزعاج والضيق دليل الكراهة، هو المستقيم. لأن البيان يتم بكل ما يحصل به التبيين، فإذا أظهر صلى الله عليه وسلم الكراهة بإعراضه وإظهاره الانزعاج، كان ذلك بياناً، وحصل للمشاهدين تبيُّن غرضه صلى الله عليه وسلم في ذلك.

فلا يكون هذا النوع إقراراً، بل هو إنكار.

والدليل على ذلك أمران:

(1) جمع الجوامع 2/ 95

ص: 102

الأول: ما تقدم ذكره في مبحث السكوت، أنه صلى الله عليه وسلم كان يُسأل أحياناً، فيعرض عن السائل، ويسكت عنه، إنكاراً لسؤاله. ومن ذلك إعراضه عمن سأل عن الحج أفي كل عام هو؟ بدليل أنه لما أكثر عليه السائل صرح له بإنكاره للسؤال. فدلّ على أنه لما سكت معرضاً عنه أولاً، كان يريد بيان الكراهة.

الثاني: ما قدمنا في مبحث الإشارة، من أن الإشارة تكون بياناً، إذا قصد بها إفهام المخاطب أمراً. فكذلك هنا.

ومن ذلك عندي ما ورد عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم سمع زمّارة راعٍ فوضع أصبعيه في أذنيه. يعني لئلا يسمعها.

ومن قال إن ذلك لا يمنع القول بالإباحة، فهو خلاف الظاهر من فعله صلى الله عليه وسلم.

وقد قال تقي الدين النبهاني في قصّة الراعي: "هذا لا يعتبر إنكاراً على الراعي بل يعتبر سكوتاً عنه، وهو دليل على جواز الزمّارة، وجواز سماعها"(1).

وهذا القول منه إن عنى بالجواز فيه ما يشمل المكروه، فإن الخلاف لفظي فلا نلتفت إليه في هذا الموضع. وإن عنى به المباح، فهو مردود، فإن وضع النبي صلى الله عليه وسلم إصبعيه في أذنيه ليس لكراهة طبيعة، كأكل الضب، وإنما هي كراهة شرعيّة، وذلك ظاهر.

(1) الشخصية الإسلامية 3/ 97

ص: 103