الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس تعدية حكم التقرير لغير المقرر
تبيّن مما تقدّم من هذا الفصل أن من أقرّه النبي صلى الله عليه وسلم على فعل فإن تقريره دليل على ارتفاع الحرج بالنسبة إلى فاعل ذلك الفعل. وعلى ذلك اتفاق الأصوليين (1). فأما من سواه، فقد اختلف الأصوليون في تعدية ذلك الحكم إليهم.
والبحث في هذا ينقسم قسمين، لأنه إما أن يسبق تحريمه، فيتعارض القول والتقرير. ونذكره في باب التعارض إن شاء الله.
وإما أن لا يسبق تحريمه؛ فهذا القسم ذهب جمهور الأصوليين إلى أن حكمه يتعدّى.
ووجهه قاعدة استواء الأمة في الأحكام.
وقد ادّعى بعض الأصوليين الإجماع على هذه القاعدة، وليس الإجماع عليها ثابتاً.
وأيضاً قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما قولي لامرأة واحدة إلاّ كقولي لمائة امرأة"(2). والسكوت عن الإنكار في حكم الخطاب، والخطاب يعمّ.
ومما يؤيّد ذلك أن خطابه صلى الله عليه وسلم للصحابة في عصره يتعدّى إلى سائر المسلمين بعد عصره إجماعاً. فكذلك تقريره.
(1) العلائي: تفصيل الإجمال ق 68 أو نقله عن القشيري.
(2)
الترمذي والنسائي واللفظ له من حديث أميمة بنت رفيقة. وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني الشيخي بإخراجها لثبوتها على شرطهما (المقاصد الحسنة ص 193).
وممن صرّح بتعدي حكم التقرير لغير المقرر أبو المعالي الجويني، وأبو نصر القشيري، والمازَري، وأبو شامة، والعلائي (1).
ونقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني (2) أن الحكم يختصّ بالمقرّر ولا يتعدّى إلى غيره، ووجهه أن التقرير ليس له صيغة لتعمّ جميع المكلفين.
والأولى أن يقال: إن شموله لغير المقرّر بضرب من القياس، وليس بطريق العموم اللفظيّ. وقد تقدّم آخر الفصل السابع من باب الأفعال الصريحة ما يغني، فليرجع إليه.
تنبيه: تعدية حكم الفعل المقرّر عليه إلى سائر أفراد الأمة، أقوى من تعدية حكم فعله هو صلى الله عليه وسلم، إلى غيره. وقد ذكر الجويني (3) أن الذين وقفوا في تعدية حكم الأفعال النبوية، وافقوا على تعدية أحكام الأفعال التي قرر عليها غيره.
ووجه ذلك واضح، وهو أن ما فعله صلى الله عليه وسلم يرد عليه احتمال الخصوصيّة وهو احتمال يضعف التعدية، أما التقرير، فإن حمله على الخصوصية ضعيف جداً لا يكاد يستحق الذكر، لضآلة ما ثبت تخصيص أفراد الأمة به من الأحكام، كتضحية أبي بردة بالعناق، وجعل شهادة خزيمة بشهادة رجلين.
ولذلك كان احتمال المساواة بين فاعل الفعل المقَرّ عليه وسائر أفراد الأمة، هو أقوى من احتمال المساواة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر أفراد الأمة. ودلالة التقرير، لذلك، أقوى من دلالة الفعل النبوي، من جهة التعدية خاصة.
وليس معنى ذلك تقديم التقرير على الفعل عند التعارض. فإن الفعل أقوى منه، لزيادته في الوضوح والكمال، ولأن التقرير يطرقه من الاحتمالات ما لا يطرق الفعل. ونذكر ذلك في باب التعارض إن شاء الله.
(1) أبو شامة: المحقق 40، تفصيل الإجمال ق 68 أ.
(2)
أبو شامة: المحقق ق 40 أالعلائي: تفصيل الإجمال ق 68 أالسبكي: جمع الجوامع 2/ 96
(3)
ابن تيمية: المسودة ص 32، ص 70