الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له من الأجر ما كان يعمله وهو صحيح مقيم" (1). يصح الاستدلال به على إعطاء الموظّفين والعمّال مثل أجورهم إذا كان تعطّلهم لعذر صحيح.
ومن هذا النوع أيضاً ما ذكر الشاطبي (2)، وهو عادة الله تعالى في إنزال القرآن، وخطاب الخلق به، ومعاملته بالرفق والحسنى، وأن استفادة ذلك راجع إلى الاقتداء بأفعاله تعالى، فعدّ الشاطبي من هذا عدم المؤاخذة قبل الإنذار، أخذه من قوله تعالى:{وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولاً} وعد من ذلك أيضاً ترك المؤاخذة بالذنب لأول مرة، والحلم عن تعجيل العذاب للمعاندين.
وكتدرجه تعالى في الأمر بالتكاليف الشاقة، والنهي عما ألفه الناس حتى صار كالطبع لهم.
ونحن نرى الأخذ من هذه الأنواع، مع الحذر والاحتياط، والتنبيه إلى أن الله ليس كمثله شيء، وأن ذلك يقتضي التمايز في الأفعال، فليس كل شيء يحسن منه تعالى هو حسناً منا. والله أعلم.
الأوجه الفعلية لقوله تعالى:
يصح استفادة الأحكام من الآداب البيانية القرآنية، على ما يذكره البلاغيون وقد ذكر الشاطبي لذلك أمثلة سبعة، نقتبسها باختصار تتميماً للفائدة.
1 -
أن القرآن حين أتى بالنداء من الله للعباد، أتى بحرف النداء المقتضي للبعد، نحو قوله:{يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} (3).
وحين أتى بالنداء من العباد لله، ترك حرف النداء، استشعاراً للقرب، فيحصل بالاقتداء بالتعبير القرآني تعلّم هذا الأدب.
2 -
أن نداء العبد لله جاء في القرآن بلفظ (الرب) في عامة الأمر، تنبيهاً
(1) البخاري 6/ 136 وأبو داود.
(2)
الموافقات 3/ 376
(3)
سورة الزمر: آية 53
وتعليماً لأن يأتي العبد في دعائه بالاسم المقتضى للحال المدعوّ بها. ومثاله قوله تعالى: {ربنا لا تزغ قلوبنا} (1) وقوله: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} (2).
3 -
أتى بالكناية في الأمور التي يستحيا من التصريح بها، كقوله:{من قبل أن تمسوهن} {فأتوهن} {كانا يأكلان الطعام} .
4 -
أتى بالالتفات الذي ينبىء في القرآن عن أدب الإقبال من الغيبة إلى الحضور إذا كان الحال يستدعي ذلك، نحو {مالك يوم الدين * إياك نعبد} {عبس وتولى أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعلّه يزَّكّى} .
5 -
الأدب في ترك التنصيص على نسبة الشر إلى الله تعالى، كقوله:{بيدك الخير} (3) ولم يُرْدِفْه بقول: {والشر} . ونحو قوله: {والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين} (4) لم يقل {وإذا أمرضني فهو يشفين} .
6 -
الأدب في المناظرة أن لا يفاجئ بالردّ كفاحاً، دون التقاضي بالمجاملة والمسامحة كقوله تعالى:{وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} (5). وقوله: {قل إن افتريته فعليّ إجرامي} (6).
7 -
الأدب في إجراء الأمور على العادات في التسبّبات وتلقّي الأسباب منها، أخذاً من مساقات الترجيات العادية، كقوله تعالى:{عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا} (7) وقوله: {لعلكم تتقون} {لعلكم تذكّرون} .
ثم قال الشاطبي بعد إيرادها: "إن هذه الأمثلة، وما جرى مجراها، لم يُسْتَفد الحكم فيها من جهة وضع الألفاظ للمعاني، وإنما استفيد من جهة أخرى، هي جهة الاقتداء بالأفعال"(8).
(1) سورة آل عمران: آية 8
(2)
آخر سورة البقرة.
(3)
سورة آل عمران: آية 26
(4)
سورة الشعراء: آية 79، 80
(5)
سورة سبأ: آية 24
(6)
سورة هود: آية 35
(7)
سورة الإسراء: آية 79
(8)
الموافقات 2/ 104 - 107