الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعلى هذا القول: ليس كل من رأى شخصاً قيل له إنه رسول الله، قد رآه حقّاً.
أخذ الأحكام الشرعية من فعله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا:
ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان لا يتمثّل بي" أن قوله وفعله في المنام بدرجة قوله وفعله في اليقظة، بل أقوى، لقلة الوسائط، وخاصّة بالنسبة إلى الرائي نفسه.
ولكن لو كان كذلك، وجب تقديم ذلك على ما نقل إلينا من الشريعة. وقد نقل الشوكاني عن أبي إسحاق:"أن رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام حجة"(1).
وقد أبى جمهور العلماء هذه الطريقة، واتفقوا على أن أي شيء مما ينتج عن الرؤيا إذا خالف الشريعة مردود، وإن وافقها، فهو أمارة يؤتنس بها. وإن لم يوافقها ولم يخالفها جاز العمل بها، كما يعمل بأنواع الخواطر السانحة والإلهامات. فلا بدّ من عرضها على الشريعة على كل حال.
وأجابوا عن الحديث بأجوبة:
منها: ما ذهب إليه النووي: أن الرائي وإن كانت رؤياه حقاً، ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي بما جاء فيها، قال:"لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي. وقد اتفقوا على أن من شروط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظاً لا مغفّلاً ولا كثير الخطأ، ولا مختلّ الضبط. والنائم ليس بهذه الصفة"(2).
ومنها: ما ذهب إليه ابن الحاجّ: "أن الله لم يكلّف عباده بشيء مما يقع لهم في منامهم لقوله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة
…
عدّ منهم "النائم حتى يستيقظ" لأنه إذا كان نائماً فليس من أهل التكليف، فلا يعمل بشيء يراه في نومه" (3).
(1) إرشاد الفحول ص 249
(2)
المصدر السابق ص 300
(3)
عزت عيد عطيه: البدعة ص 299
ومنها: ما قال ابن الحاجّ أيضاً: "أن الشرع حثّ على التمسّك بالكتاب والسنة، فإن خالفتهما الرؤيا علم أنها غير حق، وأن ما فيها من الكلام ألقاه الشيطان له في ذهنه، والنفس الأمّارة".
وحاصل هذا الوجه أن الحديث دلّ على صحة رؤية مثاله صلى الله عليه وسلم، ولم يدلّ على صحة الكلام الذي يسمع منه.
وهذا الجواب لا يتأتى في الأفعال.
ومنها: ما قال ابن رشد وحاصله يرجع إلى أن المرئي قد يكون غير النبي صلى الله عليه وسلم وإن اعتقد الرائي أنه هو. ومعنى الحديث عنده: "من رآني على صورتي التي خلقني الله عليها، فقد رآني، إذ لا يتمثل الشيطان بي"(1).
ومنها: ما قال الشوكاني: "إن الشرع الذي شرعه الله لنا قد كمّله الله عز وجل، وقال:{اليوم أكملت لكم دينكم}
…
ولم يبق بعد ذلك حاجة للأمة في أمر دينها، وقد انقطعت البعثة لتبليغ الشرائع وتبيينها بالموت
…
وبهذا تعلم أنا لو قدرنا ضبط النائم لم يكن ما رآه من قوله صلى الله عليه وسلم أو فعله حجة عليه ولا على غيره من الأمة" (2). اهـ.
وهذا عندي هو الوجه المعتمد في الجواب، وأما ما تقدمه من الأجوبة ففيها نظر.
فالخلاصة ما قال الشاطبي: "على الجملة فلا يستدل بالرؤيا في الأحكام إلا ضعيف المنّة. نعم يأتي المرئيّ تأنيساً وبشارة ونذارة خاصة، بحيث لا يقطعون بمقتضاها حكماً، ولا يبنون عليها أصلًا. وهو الاعتدال في أخذها حسب ما فهم من الشرع فيها"(3).
(1) الاعتصام للشاطبي 1/ 262
(2)
إرشاد الفحول ص 249
(3)
الاعتصام للشاطبي 1/ 264