الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه اللفظ، كأنه قال:(الشهر تسعة وعشرون). فهذه دلالة بطريقة أخرى غير طريقة دلالة أفعال.
وليست الإشارة لفظ اسم الإشارة، الذي هو هنا (هكذا)، بل هذا اللفظ مؤكّد لمعنى الإشارة، ومنبّه للمخاطب، عن طريق حاسّة السمع، ليلتفت ببصره إلى ما يشير إليه مخاطبه.
المطلب الأول كيفية الدلالة بالإشارة
الإشارة تدل على مراد المتكلم بطرق مختلفة. وقد ذكر ذلك القاضي عبد الجبار مجملاً، فقال:"تدل الإشارة كدلالة القول، إما بأن يعرف مراده باضطرار، أو بطريقة في الاستدلال، نحو أن يَعُدّ عَدّاً جرت العادة بمثله. فذكر حديث الإشارة إلى عدد أيام الشهر، ثم قال: وهذه أمور معقولة في طريقة الأدلة"(1). اهـ.
ونحن نفصّل ذلك فنقول:
من طرق التي تدل بها الإشارة:
1 -
التشبيه، كما في الحديث المتقدّم، فإن رفع الأصابع يراد بها أن عدد الأيام في الشهر كعدد الأصابع المرفوعة. ولو سئل ماذا يريد أن يصنع؟ فعمل باليد أو الرجل أو الفم أو غيرهما كهيئة من يأكل أو يكتب أو يمشي أو يطرق حديداً أو غير ذلك، لكان المراد به أنه يريد أن يفعل مثل ذلك.
2 -
التوجيه، أعني توجيه بصر المخاطب إلى شيء معين، بملاحقة جهة امتداد إصبع المشير أو يده أو وجهه إلى حيث هي متجهة. قال التهانوي:"تعيين الشيء بالإشارة الحسّيّة بالامتداد الموهوم الآخد من المشير المنتهي إلى المشار إليه"(2). اهـ.
(1) المغني 17/ 273
(2)
كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 739
ثم قد يراد أن يتجه بصر المخاطب إما إلى (ذات). ويوافقها من الألفاظ (هذا) وفروعه؛ وإما إلى جهة، ويوافقها من الألفاظ (هنا) وبابها من أسماء الإشارة للمكان.
3 -
معانٍ متواضع عليها، غير منحصرة، كهزّ الرأس أو تحريكه جهة العلوّ بمعنى الإنكار والرفض والنفي، وخفضه بمعنى الموافقة والرضا والإيجاب، وهزّ الأكتاب بمعنى الاستخفاف. وكأنواع من الإشارة باليد، فنفضها، بمعنى التنصّل من الأمر وأنك منه براء، وتحريكها جهة المتكلم بمعنى الاستدعاء أو الأمر بالإدناء، وتحريكها بعيداً عن المتكلم بمعنى الأمر بالإقصاء، والتلويح بها بمعنى التوديع. إلى غير ذلك مما يعرف بتتبع عادات الناس.
هذا وتتميز الإشارة عن النطق من هذه الناحية. فإنّ فهم الإشارة لا يرتبط بلغة معينة، بل تكاد الإشارة تكون (لغة عامة عالمية)، ولذلك يستعملها الأخرس والطفل الذي لم يتكلم، ويستعملها الناس إذا لم يعلم أحد منهم لغة الآخر.
ولم يذكر التهانويّ من الأنواع الثلاثة إلّا النوع الثاني. ولكن النوعين الآخرين هما أيضاً من أنواع الإشارة. واللغة تدل على ذلك، كما تقدم في الشاهد الذي أنشده ثعلب، وما نقلناه من الحديث التالي له.
ومما ورد من النوع الأوّل، وهو التشبيهيّ، ما قال جبير بن مطعم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في صفة الغسل "أما أنا، فأفيض على رأسي ثلاثاً"(1). وأشار بيديه كلتيهما.
ومنه ما يأتي في الحديث، في ذكر ساعة يوم الجمعة:"وأشار بيده يزهِّدها". ووضع أنملته على بطن الوسطى والخنصر.
ومما ورد من النوع الثالث وهو الدالّ على معان متعارف عليها، ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما لكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل شُمْس"(2). يعني إشار بعضهم بالتسليم على بعض؟ فالإشارة هنا تدل على التحية.
(1) البخاري 1/ 367
(2)
مسلم (عبد الباقي) 1/ 323