المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الحافظ العلائي (1): تفصيل حكم هذه الصور يتضح بجعلها على أربعة - أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية - جـ ٢

[محمد سليمان الأشقر]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني الأفعال غير الصريحة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول الكتابة

- ‌المطلب الأول هل الكتابة قول أو فعل

- ‌البيان بالكتابة:

- ‌المطلب الثاني منزلة الكتابة من القول عند الفقهاء والمحدثين

- ‌المطلب الثالث التعارض بين الكتابة وغيرها

- ‌الفَصل الثاني الإشارة

- ‌الإشارة فعل:

- ‌المطلب الأول كيفية الدلالة بالإشارة

- ‌المطلب الثاني الإشارة عند الفقهاء

- ‌المطلب الثالث حكم البيان بالإشارة

- ‌ما وقع في السنة من البيان بالإشارة:

- ‌الذي وقع في السنة من البيان بالإشارة ثلاثة أنواع:

- ‌المطلب الرابع التعارض بين الإشارة والقول

- ‌المطلب الخامس هل كانت بعض الإشارات ممتنعة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث الأوجُه الفِعليَّة لِلقَول

- ‌المبحث الأوّل التفريق بين الوجه العباري وبين الوجه الفعلي للقول

- ‌ضابط للتفريق بين وجهي القول:

- ‌ما يدخل تحت هذه القاعدة:

- ‌المبحث الثاني حصر الأوجه الفعليَّة للقول

- ‌الفصل الرابع التركتمهيد في حقيقة الترك:

- ‌هل الكفّ فعل من الأفعال

- ‌تقسيمنا لمباحث الترك:

- ‌المبحث الأوّل البيان بالترك

- ‌الترك وسيلة لبيان الأحكام، كالفعل:

- ‌ما يحصل بالترك من أنواع البيان:

- ‌المبحث الثاني أقسام الترك والأحكام التي تدل عليها

- ‌تفريق القاضي عبد الجبار في التأسيّ بين الترك والفعل ومناقشتنا له في ذلك:

- ‌تكرار الترك:

- ‌المبحث الثالث الترك المطلق والترك لسبب

- ‌أسباب الترك:

- ‌المبحث الرّابع نقل الترك

- ‌الفَصل الخامس السُّكوت

- ‌أنواع السكوت:

- ‌المطلب الأول السكوت لعدم وجود حكم في المسألة

- ‌السكوت عن بعض الأحكام مع بيان بعض آخر:

- ‌المطلب الثاني السكوت لمانع

- ‌المطلب الثالث ترك الحكم في حادثة هل يوجب ترك الحكم في نظيرها

- ‌المطلب الرابع ترك الاستفصال عند الإفتاء ومدى دلالته على عموم الحكم

- ‌رأينا في المسألة:

- ‌فروع تنبني على هذه القاعدة:

- ‌الفرع الأول: من أسلم على أختين

- ‌الفرع الثاني: قضاء رمضان عن الميت:

- ‌الفصل السادس التقرير

- ‌المبحث الأول الإنكار وما يحصل به

- ‌أنواع الإنكار:

- ‌الإنكار وخصائصه في بيان الأحكام:

- ‌المبحث الثّاني حجية التقرير

- ‌أدلة القول الأول:

- ‌أدلة القول الثاني:

- ‌درجات التقرير من حيث القوة:

- ‌المبحث الثالث شروط صحَّة دلالة التقرير

- ‌المبحث الرّابع أنواع التقرير ودلالة كُلٍّ منهاأنواع التقرير:

- ‌الأحكام التي تدل عليها التقارير:

- ‌1 - الإقرار على الأقوال:

- ‌2 - الإقرار على الأفعال:

- ‌كيفية معرفة حكم الفعل المقرّ عليه:

- ‌الإقرار على ما كان في الجاهلية واستمر في أول الإسلام:

- ‌3 - الإقرار على الترك:

- ‌المبحث الخامس تعدية حكم التقرير لغير المقرر

- ‌المبحث السادس في مسائل متفرقة

- ‌المسألة الأولى: ذكر الأمر في أثناء القول هل يكون تقريراً:

- ‌المسألة الثانية: السكوت على ما يوهمه القول الجائز:

- ‌المسألة الثالثة: الإقرار على الفعل الحادث، والفعل المستدام:

- ‌المسألة الرابعة: بين قاعدة الإقرار وقاعدة "لا ينسب للساكت قول

- ‌المسألة الخامسة: سعة دلالة التقرير:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌الفصل السابع الهمّ بالفعل

- ‌هل الهمّ بالشيء حجة

- ‌الفصل الثامن الملحقات بالأفعال النبوية

- ‌المبحث الأوّل أفعاله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة

- ‌المبحث الثاني الشمائل النفسيّة (الأخلاق)

- ‌المبحث الثالث فعله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا

- ‌المطلب الأوّل إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، يفعل فعلاً، فرؤيا الأنبياء حق

- ‌المطلب الثاني من رأى في المنام النبي صلى الله عليه وسلم يفعل

- ‌أخذ الأحكام الشرعية من فعله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا:

- ‌المبحث الرّابع ما فعل به صلى الله عليه وسلم بعد موته

- ‌وجه الاحتجاج بذلك:

- ‌المبحث الخامس أفعال الله تعالى

- ‌قولنا في ذلك:

- ‌الأوجه الفعلية لقوله تعالى:

- ‌المبحث السادس تقرير الله تعالى

- ‌رأينا في هذا الأصل:

- ‌المبحث السابع أفعال أهل الإجماع

- ‌الباب الثالث التعارض والترجيح

- ‌مقدمة في الاختلاف بين الأدلة

- ‌العمل عند اختلاف الأدلة:

- ‌الخطوة الأولى: الجمع بين الدليلين:

- ‌الخطوة الثانية: النسخ:

- ‌الخطوة الثالثة: الترجيح بين الدليلين:

- ‌الخطوة الرابعة: التوقف أو التخيير:

- ‌الفصل الأوّل التعارض بين الفعل والفعل (ويدخل فيه التعارض بين الفعل والترك)

- ‌مذاهب الأصوليين في ذلك:

- ‌تحرير محل النزاع:

- ‌قولنا في المسألة:

- ‌مسألة اختلاف الفعلين قلة وكثرة:

- ‌الفصل الثاني تعارض الأقوال والأفعال

- ‌المبحث الأوّل أسبابُ الاختلاف بين القول والفعل

- ‌العمل عند اختلاف مقتضى الفعل والقول:

- ‌المبحث الثاني الجمع بين القول والفعل إذا اختلفا

- ‌تخصيص العموم بفعله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالث القول الذي يعارضه الفعل

- ‌تكرر مقتضى القول:

- ‌المبحث الرّابع الفعل الذي يصح معارضته للقول

- ‌الشرط الأول: قيام دليل خاص على وجوب التأسّي بالفعل:

- ‌الشرط الثاني:

- ‌المبحث الخامس نسخ حكم الفعل بالقول وعكسُه

- ‌المبحث السادس العمل عند التعارض مع الجهل بالترتيب الزّمني

- ‌المبحث السَّابع الصَّور التفصيلية لاختلاف القول والفِعل

- ‌جدول الصور التفصيلية لاختلاف القول والفعل

- ‌مسالك الأصوليين في تعدد الصور التفصيلية:

- ‌أمثلة تعين على إيضاح ما تقدم

- ‌الفصل الثالث تعارض الفعل والأدلة الأخرى

- ‌أولاً - القرآن:

- ‌ثانياً- الإجماع:

- ‌ثالثاً- القياس:

- ‌قولنا في المسألة:

- ‌الفصل الرابع اختلاف التقرير والقَول أو الفِعْل

- ‌المبحث الأوّل اختلاف التقرير والقول

- ‌صور اختلاف التقرير والقول:

- ‌أمثلة على اختلاف القول والتقرير:

- ‌المبحث الثاني اختلاف التقرير والفعل

- ‌أمثلة على اختلاف الفعل والتقرير:

- ‌ختام

- ‌ملحق الصور التفصيلية لاختلاف القول والفعل مع بيان الحكم في كل منهما

- ‌القُطبُ الأوَّل

- ‌القُطبُ الثَّاني

- ‌القُطبُ الثالِث

- ‌القطب الرَّابع

- ‌المَرَاجع

- ‌فهرس الأعلام

- ‌الآمدي (551 - 631 ه

- ‌ابن أبي جمرة (…-695 ه

- ‌ابن أبي الحديد (586 - 655 ه

- ‌ابن أبي شريف (822 - 906 ه

- ‌ابن أبي هريرة (…-345 ه

- ‌ابن الأثير (544 - 606 ه

- ‌ابن أمير الحاج (…-889 ه

- ‌ابن تيمية (661 - 728 ه

- ‌ابن تيمية (الأب) (627 - 682 ه

- ‌ابن تيمية الجد (…-652 ه

- ‌ابن جماعة: (639 - 733 ه

- ‌ابن الجوزي (508 - 597 ه

- ‌‌‌ابن الحاج (…-737 ه

- ‌ابن الحاج (…-737 ه

- ‌ابن حبان (…-354 ه

- ‌ابن حجر العسقلاني (773 - 852 ه

- ‌ابن حزم (384 - 456ه

- ‌ابن خلاّد (…-360 ه

- ‌ابن خلدون (732 - 808 ه

- ‌ابن خويز (…-390 هـ تقريباً):

- ‌ابن دقيق العيد (702 ه

- ‌ابن رشد (450 - 520 ه

- ‌ابن سريح (249 - 306 ه

- ‌ابن سعد (168 - 230 ه

- ‌ابن سيده (398 - 458 ه

- ‌ابن سيرين (33 - 110 ه

- ‌ابن عبد السلام (577 - 660 ه

- ‌ابن عبدان (…-433 ه

- ‌ابن العربي (468 - 543 ه

- ‌ابن عقيل (431 - 513 ه

- ‌ابن عليّة (110 - 193 ه

- ‌ابن فورك (…-406 ه

- ‌ابن قاسم (…-992 ه

- ‌ابن قدامة (541 - 620 ه

- ‌ابن القيم (691 - 751 ه

- ‌ابن اللحام (752 - 803 ه

- ‌ابن مسعود (…-32 ه

- ‌ابن الملقن (723 - 804ه

- ‌ابن المنذر (242 - 319 ه

- ‌ابن منظور (630 - 711 ه

- ‌ابن الهمام (790 - 861 ه

- ‌ابن واصل (604 - 697 ه

- ‌أبو إسحاق المروزي (…-340 ه

- ‌أبو الحسين البصري (…-436 ه

- ‌أبو الخطاب (432 - 510 ه

- ‌أبو شامة (559 - 665 ه

- ‌أبو الشعثاء (21 - 93 ه

- ‌أبو عبد الله البصري (…-370 ه

- ‌أبو يعلى (380 - 458ه

- ‌أبو يوسف (113 - 182 ه

- ‌الأبياري (557 - 618 ه

- ‌الأرموي (594 - 682 ه

- ‌الإسفراييني، أبو حامد (344 - 406 ه

- ‌الإسنوي (704 - 772 ه

- ‌الإصطخرى (244 - 328 ه

- ‌إلكيا الطبري (450 - 504 ه

- ‌أم سليم (…-30 ه

- ‌أمير بادشاه (…-987 ه

- ‌الباقلاني (338 - 403ه

- ‌البخاري (…-730 ه

- ‌البزدوي (…-482 ه

- ‌بشر الحافي (150 - 227 ه

- ‌البلقيني (724 - 805 ه

- ‌البيضاوي (…-685 ه

- ‌التفتازاني (712 - 791ه

- ‌التهانوي (…- بعد 1158 ه

- ‌التميمي (317 - 371ه

- ‌الثوري (97 - 161 ه

- ‌الجبائي، أبو علي (235 - 303ه

- ‌الجصاص (…-370 ه

- ‌جولد زيهر، أجناس (1266 - 1340 ه

- ‌الجويني (419 - 478 ه

- ‌حاجي خليفة (1017 - 1067 ه

- ‌الحارث المحاسبي (…-243 ه

- ‌الحليمي (338 - 403ه

- ‌خالد الأزهري (838 - 905 ه

- ‌الخطابي (…-388 ه

- ‌الدهلوي (1110 - 1176 ه

- ‌الرازي (543 - 606 ه

- ‌الرَّوياني (415 - 502 ه

- ‌الزركشي (745 - 794 ه

- ‌زكريا الأنصاري (826 - 926 ه

- ‌الزيدية:

- ‌السبكي (727 - 771 ه

- ‌السرخسي (…-483 ه

- ‌السمعاني (426 - 489 ه

- ‌سهل التستري (200 - 283 ه

- ‌السهيلي (508 - 581 ه

- ‌السيوطي (849 - 911 ه

- ‌الشربيني (…-1326 ه

- ‌شريح (42 ق. هـ-78 ه

- ‌الشوكاني (1173 - 1250ه

- ‌الشيرازي (393 - 476 ه

- ‌صدر الشريعة (…-747 ه

- ‌الصغاني (577 - 650 ه

- ‌الصنعاني (1099 - 1182ه

- ‌الصيرفي (…-330 ه

- ‌الطحاوي (239 - 321ه

- ‌العاقولي (733 - 797 ه

- ‌عبد الله بن سعد بن أبي السرح (…-37 ه

- ‌عبد الجبار الهمداني (…-415 ه

- ‌عبد الرحمن بن مهدي (135 - 198 ه

- ‌عبد الوهاب خلاف (1306 ه

- ‌العضد (…-756 ه

- ‌العلائي (694 - 761 ه

- ‌علي المتقي الهندي (888 - 975 ه

- ‌(الشيخ) عُليش (1217 - 1299ه

- ‌عياض، القاضي (476 - 544 ه

- ‌الفاطميون:

- ‌القرافي (…-684 ه

- ‌القرطبي (…-671 ه

- ‌القشيري (376 - 465 ه

- ‌القفال (291 - 365 ه

- ‌الكرّامية:

- ‌الكرخي (260 - 340 ه

- ‌المازري (453 - 536 ه

- ‌المحلي (791 - 964 ه

- ‌محمد بن الحسن الشيباني (131 - 189 ه

- ‌محمد خليل هراس (…-1392 ه

- ‌النحّاس (…-338 ه

الفصل: الحافظ العلائي (1): تفصيل حكم هذه الصور يتضح بجعلها على أربعة

الحافظ العلائي (1):

تفصيل حكم هذه الصور يتضح بجعلها على أربعة أقطاب، بحسب تكرر الفعل أو التأسّي به [أو عدم أحدهما]، أو عدمهما.

‌القُطبُ الأوَّل

أن لا يدل دليل على وجوب تكرار الفعل في حقه صلى الله عليه وسلم، ولا على وجوب تأسّي الأمة به فيه.

ويتضمن خمس عشرة صورة: لأنه إما أن يكون القول خاصّاً به، أو خاصاً بنا، أو عامّاً لنا وله. وعلى الأقسام الثلاثة: إما أن يعلم تقدم الفعل، أو تقدم القول، أو يجهل التاريخ. وفي حالتي التقدم: إما أن يتعقّب الآخر أو يتراخى.

1 -

الصورة الأولى: أن يتقدم الفعل. ويكون القول خاصاً به، متصلاً بالفعل، من غير تراخ.

2 -

والثانية: أن يكون كذلك، إلاّ أنه متراخ عن الفعل.

ومثاله في الصورتين: أن يفعل صلى الله عليه وسلم فعلاً، ثم يقول: إما على الفور أو على التراخي: لا يجوز لي مثل هذا الفعل في مثل ذلك الوقت.

ففي هاتين الصورتين لا تعارض بين القول والفعل أصلاً لا في حقه، ولا في

(1) تفصيل الإجمال ق 56 ب - 64 ب.

ص: 231

حق الأمة، أما في حقه صلى الله عليه وسلم فلأن القول لم يرفع حكم ما تقدم من الفعل في الماضي ولا في المستقبل. لأن الماضي لا يرتفع، والفرض أن الفعل غير مقتضٍ للتكرار بالنسبة إليه. وأما في حق الأمة فظاهر، لأنه ليس لأحد من القول والفعل تعلّق بهم.

3، 4 الصورتان الثالثة الرابعة: أن يتقدم هذا الفعل ويكون القول (1) خاصاً بالأمة إما متعقباً، أو على التراخي. مثل أن يفعل صلى الله عليه وسلم فعلاً، ثم يقول: لا يجوز لكم هذا الفعل.

ففي هاتين الصورتين أيضاً لا تعارض بينهما، لأن الفعل لم يقم دليل خاص على تأسي الأمة به فيه. فكان مختصاً به. والقول خاص بالأمة، فلا تعارض. هكذا صرح به جماعة منهم الآمدي وابن الحاجب.

فإن قيل: لا يلزم عن عدم قيام الدليل على التأسّي به في هذا الفعل الخاص أن يكون مختصاً به، بل يكتفى بالأدلة العامة على التأسّي به مطلقاً.

قلت: لو اعتبر ذلك لزم منه النسخ، والتخصيص أولى منه. فلذلك قلنا أن الفعل يكون خاصاً به صلى الله عليه وسلم.

5، 6 الصورتان الخامسة والسادسة: أن يتقدم الفعل، ويكون القول بعده، عاماً له وللأمة إما متعقباً، أو على التراخي.

فقال الآمدي وغيره لا معارضة بينهما أيضاً: أما بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم فلما تقدم فيما إذا كان القول خاصاً به. وأما بالنسبة إلينا فلأن فعله غير متعلق بنا على ما وقع به الفرض.

وفصل ابن الحاجب بين أن يكون العموم بطريق التنصيص أو بطريق الظهور. فإن كان على وجه النصوصية، مثل أن يفعل فعلاً، ثم يقول: حرم علي وعلى أمتي هذا الفعل في مثل ذلك الوقت، فلا تعارض أصلاً، لا في حقه ولا في

(1) في الأصل: الفعل. وهو خطأ، يظهر أنه من الناسخ، كما لا يخفى.

ص: 232

حقنا، لعدم وجوب تكرار الفعل، ولعدم وجوب التأسيّ به. وإن كان العموم على وجه الظهور، قال: فبالنسبة إلينا لا تعارض أيضاً، لما تقدم، أما بالنسبة إليه فيكون فعله مخصصاً لذلك القول.

ولقائل أن يقول:

إما أن لا يمكن الجمع بين القول والفعل بطريق بناء العام على الخاص، أو يمكن ذلك. فإن أمكن، بأن يكون الفعل مختصاً يتضمن صورة القول كما تقدم في النهي عن استقبال القبلة عند الحاجة، واستدبارها مطلقاً، مع الفعل في البيوت، فها هنا الذي ينبغي أن يكون الراجح ما قدمناه من تخصيص القول فيما عدا صورة الفعل، إعمالاً للأدلة العامة، الدالة على التأسيّ به صلى الله عليه وسلم. وأصل هذا القطب مدار على أنه لم يدل دليل على تكرر الفعل في حقه ولا تأسيّ الأمة به. ولا يلزم من عدم قيام الدليل أن يكون الفعل خاصاً به، ولا بدّ، بل ربما يكون مما تتأسىّ به الأمة فيه عملاً بالأدلة العامة، لا سيما والأصل عدم اختصاصه صلى الله عليه وسلم. فتخصيص القول به، كذا الفعل بالنسبة إليه وإلى الأمة أولى لما قدمناه.

وإن لم يمكن الجمع بينهما على وجه تخصيص العموم فعدم التعارض هنا أولى بأن يكون الفعل الأول كان خاصاً به، والقول بعده نسخ ذلك في حقه، ولا تعلق للأمة به. وهذا أولى من أن يكون حكم الأمة حكمه في ذلك الفعل. ونجعل القول ناسخاً له في حقه وحقهم.

7 -

الصورة السابعة: أن يتقدم القول، ويكون خاصاً به صلى الله عليه وسلم، ثم يتعقبه الفعل بخلافه، من غير تراخ.

فها هنا الفعل ناسخ لمقتضى القول عند من يجوز النسخ قبل التمكن من مقتضى الامتثال، وهم جمهور أهل السنة. وأما من لم يجوز ذلك، كالمعتزلة وأبي بكر الصيرفي من أصحابنا، فقالوا: لا يتصور وجود مثل هذا الفعل، مع العهد إن لم نجوز المعاصي على النبي صلى الله عليه وسلم.

8 -

الصورة الثامنة: أن يتقدم القول، ويكون خاصاً به، ثم يقع الفعل بعده متراخياً عنه، إما بعد العمل بمقتضى القول، أو بعد التمكن من العمل به.

ص: 233

فالفعل ناسخ لمقتضى القول وفاقاً. وهو ظاهر على رأي من لم يجوز صدور الذنب من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وأما من جوز ذلك فكذلك أيضاً، لأن صدور المعصية خلاف الظاهر. والنسخ وإن كان خلاف الأصل الكثير أكثر منه (1). وهو متفق عليه، أعني النسخ، بخلاف صدور الذنب من الأنبياء. وما في النسخ من الخلاف فهو غير معتد به. فكان الحمل على النسخ أولى من الحمل على صدور الذنب. هذا هو اللائق بمذهب من يجوز المعاصي وإن لم نطلع (2) عليه من حيث النقل.

9، 10 - الصورتان التاسعة والعاشرة: أن يتقدم القول ويكون خاصاً بنا، مثل: حرم عليكم كذا، ثم يفعله هو إما على الفور، أو التراخي.

فقال الآمدي وابن الحاجب والأرموي في (نهاية الوصول): لا تعارض بينهما في هذه الصورة، بل الفعل مختص به، والقول مختص بنا، إذ لا دليل على وجوب التأسّي. وذكر القرافي أن الفعل أيضاً شأنه أن تتأسى الأمة به فيه، يعني بالأدلة العامة التي تقتضي ذلك. فالأولون لا يعتبرون إلا دلالة دليل خاص في هذا الفعل، بخلاف القرافي، فإنه يعتبر الأدلة العامة، فيراهما متعارضين. لكن قول الأولين هنا أقوى، لأن اعتبار القول الخاص بنا، وتقديمه، أولى من تقديم الأدلة العامة.

11، 12 - الصورتان الحادية عشرة والثانية عشرة: أن يكون القول عاماً لنا وله صلى الله عليه وسلم ثم يقع الفعل بعده، إما متعقباً، أو على التراخي.

فقالوا: لا معارضة هنا أيضاً، كما تقدم مثله فيما إذا علم تقدم الفعل.

وفرق ابن الحاجب بين العام بطريق النصوصية، والعام بطريق الظهور، كما تقدم. وفيه من البحث ما تقدم. واحتمال التخصيص حيث يمكن.

وذكر بعضهم أن الفعل متى وقع بعد التمكن من مقتضى القول، فلا يكون

(1) يعني: أكثر من المعصية على القول بتجويزها.

(2)

في الأصل: يطلع.

ص: 234

ناسخاً إلا أن يدل دليل على وجوب تكرار مقتضى القول، فحينئذٍ يكون الفعل ناسخاً لتكرار مقتضى القول. وهذا يجيء في كل موضع قيل فيه بالنسخ، فيما سيأتي من أمثاله. ونحن قد مثلنا ذلك بأن يقول صلى الله عليه وسلم: حرم علينا كذا، ثم يفعله، فإن التحريم يقتضي التأبيد.

والحقّ في هذا الموضع أن فعله صلى الله عليه وسلم ناسخ لمقتضى القول في حقه وإن كان العموم على وجه الظهور. وأما في حق الأمة فهو أما مقتضٍ للتخصيص، أو للخصوصية به، كما تقدم في الفصل الثاني.

13، 14، 15 - الصورة الثالثة عشرة، والرابعة عشرة، والخامسة عشرة: أن يجهل التاريخ من التقدم والتأخر، ويكون القول أما خاصاً به، أو بنا، أو عاماً لنا وله.

ففي هذه الصور الثلاث الأقوال الثلاثة المتقدمة في الفصل الثالث.

والمختار تقديم القول عند بعضهم، لاحتمال أن يكون الفعل متقدماً والقول متأخراً. وعند ذلك لا يتحقق التعارض بينهما لما سبق. ويحتمل أن يقال، فيما إذا كان القول خاصاً به، بتقديم الفعل إعمالاً للأدلة العامة الدالة على التأسّي به صلى الله عليه وسلم فإنها أرجح حينئذٍ من القول بالوقف، وهو الذي اختاره ابن الحاجب كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ص: 235