الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد جعل القاضي عياض شربه الدم دليلاً على طهارة دمه صلى الله عليه وسلم، وجعل هذا القول منه صلى الله عليه وسلم إقراراً. وفي ذلك ما فيه. وفي رواية الطبراني قال صلى الله عليه وسلم:"من أمرك أن تشربه؟ ".
الخامسة: إظهار الكراهة، والإعراض عن الفاعل. ومنه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بيت فاطمة ابنته فوجد على بابها ستراً موشياً، فلم يدخل"(1).
وقال البخاري: باب هل يرجع إذا رأى منكراً في الدعوة؟ وذكر فيه حديث عائشة: "أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية فسألته
…
" (2) الحديث.
وفي هذا النوع خلاف نذكره في المبحث الآتي في درجات التقرير.
ومن هذا النوع أن يعيد الكلام الذي سمعه بهيئة المنكر له. ومن ذلك أن جابر بن عبد الله قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في أمر دين كان على أبي. فدققت الباب، فقال: من ذا؟ فقلت: أنا. فقال: أنا أنا!! كأنه يكرهه"(3).
الإنكار وخصائصه في بيان الأحكام:
يلاحظ أن كثيراً من الشرائع الإسلامية ابتدئت شرعيتها بمناسبات وقتية. والقرآن نزل منجماً بحسب الحوادث. فكانت الحادثة إذا وقعت مخالفة لما أراد الله تعالى أن يشرعه لهذه الأمة، ينزل في ذلك القرآن آمراً وناهياً. ومثال ذلك آيات تحريم الخمر، نزلت في قصة سعد بن أبي وقاص. وآيات المواريث، في قصة ابنتي سعد بن الربيع إذ أراد عمهما أن يجتاح ما لهما.
وكذلك السنة النبوية. فإن جزءاً كبيراً منها إنما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم أثناء مشاهدته لأصحابه وهم يتعبّدون أو يتعلمون، أو هم يتصرفون في أعمالهم في
(1) رواه البخاري وأبو داود (جامع الأصول 5/ 458)
(2)
فتح الباري 9/ 249
(3)
رواه البخاري ومسلم (جامع الأصول 7/ 376)
البيع والشراء والزراعة والصناعة والحرب، ومع أهليهم وأولادهم، وغير ذلك. فكان إذا رأى من أحدهم خروجاً عما تقتضيه الشريعة المطهرة لا يتركه على حاله، بل يبادر إلى ردّه إلى جادة الصواب. ويكون ذلك بياناً لحكم تلك المسألة، يتعلمه المنكَر عليه، ويتعلّمه غيره ممن حضره، أو سمع بذلك.
وإنكار المنكر من أسباب تفضيل الله لهذه الأمة، قال الله تعالى:{كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} (1) وهو من مقتضى الشهادة التي أكرم الله بها هذه الأمة. قال الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} (2) فإن من عمل المنكر قد يكون عمله عالماً بنكارته، وذلك معاند، وقد يكون فعله جاهلاً بنكارته. والواجب في كلتا الحالين على من حضره من أهل العلم الإنكار عليه والبيان له، حتى يحصل له التذكّر إن كان غافلاً، والعلم بحكم الله في ذلك الأمر إن كان جاهلاً. فإن أخبر بذلك أمكنه أن يشهد عليه يوم القيامة بأنه بلّغه. وقد قال الله تعالى، عن عيسى ابن مريم:{وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم} (3). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ما نقله الأزهري: "ما لكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس أن لا تعزموا عليه؟ " قالوا: نخاف لسانه. قال: "ذلك أحرى أن لا تكونوا شهداء"(4).
وهذا المعنى هو الملاحظ في إطلاق (الشهيد) على القتيل في سبيل الله على بعض الأقوال. وينبغي أن يكون هو الراجح. فإن الشهيد من قتل في البلاغ. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه، فقلته".
(1) سورة آل عمران: آية 110
(2)
سورة البقرة: آية 143
(3)
سورة المائدة: آية 117
(4)
(لسان العرب - شهد).