الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القُطبُ الثَّاني
أن يدل دليل على وجوب تكرر هذا الفعل في حقه. ووجوب تأسي الأمة به فيه.
وفيه أيضاً خمس عشرة صورة:
16 -
الأولى: أن يعلم تقدم القول، ويكون خاصاً به، ثم يصدر الفعل متعقباً له، قبل التمكن من الامتثال.
17 -
والثانية: مثلها، إلا أن الفعل وقع متراخياً، بعد التمكن من امتثال مقتضى القول.
ففي هاتين الصورتين لا معارضة في حق الأمة، لاختصاص القول به صلى الله عليه وسلم والعمل في حقهم بمقتضى الفعل. وأما في حقه صلى الله عليه وسلم فالفعل ناسخ في الصورة الثانية اتفاقاً. وكذلك في الأولى، على القول بجواز النسخ قبل حضور وقت العمل، اللهم إلا أن يكون القول لم يقتضِ التكرار، ولا دليل يدل عليه فإنه حينئذٍ لا معارضة أيضاً في حقه صلى الله عليه وسلم.
18، 19 - الثالثة والرابعة: أن يتقدم الفعل، ويكون القول خاصاً به أيضاً، إما متعقباً أو متراخياً.
فكذلك أيضاً لا معارضة في حق الأمة، وهم متعبدون بمقتضى الفعل. وأما في حقه صلى الله عليه وسلم فالقول ناسخ لمقتضى الفعل في الصورتين اتفاقاً.
20 -
الخامسة: أن يجهل التقدم والتأخر، والقول خاص به أيضاً.
فلا معارضة في حق الأمة كما مر. وأما في حقه صلى الله عليه وسلم فتجيء الثلاثة أقوال المتقدمة في الفصل الثالث. اختار الآمدي وغيره ترجيح القول. والذي اختاره ابن الحاجب في هذه الصورة الوقف على تَبَيُّن التاريخ لأنه يحتمل تقدم الفعل على القول، وبالعكس، وكل منهما يكون ناسخاً للآخر فلا ترجيح لتقدم أحدهما على الآخر والجزم بكون أحدهما ناسخاً والآخر منسوخاً تحكم، وهو باطل.
21 -
السادسة أن يتقدم القول، وهو خاص بنا، ويجيء الفعل بعده، متعقباً، قبل التمكن من امتثال مقتضى القول.
فقال الإمام فخر الدين: يجب المصير هنا إلى القول دون الفعل، وإلا يلزم أن يكون القول لغواً، ولا يلغو الفعل، لأن حكمه ثابت في حق الرسول صلى الله عليه وسلم. وكأنه يجعل القول الخاص بنا مخصصاً للفعل الذي دل الدليل على تأسي الأمة به بالنسبة إلينا فقط، ويبقى حكمه في حقه صلى الله عليه وسلم كما قيل مثله في الفعل مع القول العام لنا وله.
والذي اختاره الآمدي وابن الحاجب أنه لا معارضة في حقه صلى الله عليه وسلم، وأما في حق الأمة فالفعل ناسخ لمقتضى القول قبل التمكن، على رأي الجمهور.
ومن لا يجوز النسخ قبل حضور وقت العمل، فلا تُتَصوَّر المسألة عنده. أو {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)} [الأعراف: 198] يقول بترجيح القول كما قاله فخر الدين.
22 -
السابعة: أن يتقدم القول، وهو خاص بنا، ويجيء بعده الفعل المذكور متراخياً، أما بعد العمل به، أو بعد حضور وقته.
فاتفقوا على أن الفعل مع الدليل الدال على تكرره والتأسي به فيه ناسخ لمقتضى القول المتقدم. ولم يقل فخر الدين هنا بتقديم القول وهو لازم له أيضاً، لكن التخصيص أولى من النسخ في الموضعين. وإن كان قوله في الصورة التي قبلها تفادياً من النسخ قبل التمكن. فهو يقول بهذه المسألة ولا ينكرها.
والحقّ في هذه الصورة والتي قبلها التزام النسخ، كما قال الآمدي وابن الحاجب لأن الفعل لا عموم له حتى يتطرق إليه التخصيص، وإنما عم في حقنا
بالدليل الخاص الذي دل على وجوب تأسينا به فيه. وهذا الدليل مختص بنا فقط. فتقديم القول يقتضي إبطال هذا الدليل من كل وجه. وهو متأخر معارض للأول. فالقول بالنسخ أقوى.
وذكر بعض المتأخرين في هذه الصورة التفصيل المتقدم أيضاً، وهو أن القول إذا لم يقتضِ التكرار فإنه حينئذٍ لا معارضة في حقنا أيضاً. وإنما يجيء النسخ إذا كان القول مقتضياً للتكرار.
23، 24 - الثامنة، والتاسعة: أن يتقدم الفعل، ويجيء القول بعده، خاصاً بنا، إما متعقباً، أو على التراخي.
فلا معارضة في حقه صلى الله عليه وسلم لاختصاص القول بنا، وأما في حقنا فالقول ناسخ لمقتضى الفعل في الصورة الثانية، وفاقاً. وفي الصورة الأولى عند من يجيز النسخ قبل التمكن (وأما من) لا يجيز ذلك فلا تُتَصَوَّر المسألة عنده. أو تجعل ترجيح القول من جهة التخصيص كما قال ابن الخطيب، لا من جهة النسخ. وفيه من البحث ما قدمناه.
25 -
العاشرة: أن يجهل التاريخ من التقدم والتأخر، والقول خاص بنا.
ففيه الأقوال الثلاثة المتقدمة في الفصل الثالث. واتفق الآمدي وابن الحاجب على ترجيح مقتضى القول هنا، لما تقدم في ذلك الفصل. قال ابن الحاجب: والقول بالوقف هنا ضعيف، بخلاف الصورة الخامسة، لأنا متعبدون هنا بوجوب العمل بإحداهما إما الفعل، وإما القول. لأن كُلاًّ منهما مفروض بالنسبة إلينا، ولا يمكن العمل يهما. وقد ثبت رجحان القول على الفعل بتعين المصير إلى العمل بالقول، بخلاف الصورة الخامسة التي رجح فيها الوقف، فإنهما بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ـ ولا يجب علينا الحكم بوجوب العمل بإحداهما بالنسبة إليه. فالقول بالوقف أولى.
26 -
الحادية عشرة: أن يتقدم القول، ويكون عاماً لنا وله، ويقع الفعل بعده متعقباً، قبل التمكن من الامتثال لمقتضى القول.
فعلى رأي المعتزلة لا تتصور هذه المسألة، إذ النسخ لا يجوز في هذه الصورة ولا يمكن فرض ذلك على أنه معصية، لقيام الدليل الخاص على تكرره في حقه وتأسي الأمة به فيه. وأما عند أصحابنا فالفعل ناسخ لمقتضى القول قبل التمكن. قال بعض المتأخرين: هذا إذا كان عموم القول بطريق النصوصية، فإن كان بطريق الظهور فإن الفعل حينئذٍ يكون مخصصاً للقول، كما تقدم. وهذا مأخوذ من مقتضى تفصيل ابن الحاجب في الصورة المتقدمة في القطب الأول. لكن جزم القول هنا بأن المتأخر ناسخ، ولم يفصل؛ وهو لازم له.
27 -
الثانية عشرة: أن تكون الصورة كذلك، لكن الفعل بعد التمكن من امتثال مقتضى القول.
وقد جزموا بأن الفعل ناسخ هنا. وفي الحقيقة الناسخ إنما هو الفعل مع الدليل الدال على وجوب تكرره وتأسي الأمة به. وقال المتأخر المشار إليه أن ذلك إنما يكون إذا اقتضى القول التكرار، فإن لم يقتضِ التكرار فلا معارضة لا في حقه ولا في حقنا.
28، 29 - الثالثة عشرة، والرابعة عشرة: أن يتقدم الفعل، ويجيء القول بعده، عاماً لنا وله، إما متعقباً، أو مع التراخي.
فالقول هنا ناسخ لوجوب التكرار في حقه.
وكذلك لوجوب التأسّي في حقنا، لكن في صورة التعقب على القول بجواز النسخ قبل التمكن. ومن لا يجيز ذلك يحتمل أن يكون تقديم القول عنده بطريق الترجيح للقول، لا على وجه النسخ.
30 -
الخامسة عشرة: أن يجهل التاريخ، والقول أيضاً عام لنا وله صلى الله عليه وسلم.
ففيه المذاهب الثلاثة. والذي يظهر ترجيح القول بالوقف في حقه صلى الله عليه وسلم، والعمل بمقتضى القول في حق الأمة، لما تقدم.