الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والوجه ما تقدم من أن حقيقة الكتابة التخطيط.
ونرى أن من عبّر عن الكتابة بأنها قول، فإنه قد تجوّز به عنها، لمّا كانت دالّة عليه. وقد صرّح بعض اللغويين بأن إطلاق القول على الكتابة مجاز، منهم الشيخ خالد الأزهري في شرح التوضيح (1) ومن التجوّز به عنها ما ننسبه إلى كثير من المصنفين في كتبهم من الأقوال في مختلف الفنون، فإنهم كتبوه كتابة ولم يلفظوه قولاً.
البيان بالكتابة:
إن مميّزات الكتابة السابق ذكرها، جعلتْها أداةً من أدوات البيان ذات قيمة فريدة. وقد كان القول الوسيلة الرئيسيّة للنبي صلى الله عليه وسلم في البيان، ولكن الكتابة كانت وسيلة أخرى استُعمِلت حيث دعت الحاجة.
فالكتابات تستفاد منها السنن كما تستفاد من الأقوال.
وعلى القول بأن الكتابة فعل من الأفعال، فإن الأفعال قد وقع الخلاف فيها أيجوز البيان بها من قبل الشارع أم لا؟ ولكن ذلك الخلاف لا يترقّى حتى يشمل الكتابة. فإن الكتابة أدلّ من سائر الأفعال. ويقول الزركشي:"هل يجري الخلاف الفعلي في الكتابة والإشارة؟ يحتمل أن يقال به؛ والظاهر المنع. وقد قطع ابن السمعاني بالبيان بالكتابة والإشارة، مع حكايته الخلاف في الفعل. وقال صاحب الواضح: لا أعلم خلافاً في (أن) الإشارة والكتابة يقع بهما البيان"(2). وصرّح بذلك الشوكاني أيضاً، وقال إنه:"لا خلاف في أن ذلك من السنة، ومما تقوم به الحجة"(3).
وقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة في بيان الأحكام وتبليغ الدعوة في مناسبات كثيرة جداً، فمما وقع من بيان الأحكام بها كتابته صلى الله عليه وسلم أحكام الزكاة، فقد كتب ذلك قبل وفاته في كتاب أخرجه أبو بكر وأمر به عمّال الصدقات. وحديثه عند
(1) التصريح شرح التوضيح 1/ 21
(2)
البحر المحيط 2/ 181 ب.
(3)
إرشاد الفحول ص 42
أحمد وأبي داود بسندهما عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب الصدقة. ولم يخرجها إلى عمّاله حتى توفّي. قال: فأخرجها أبو بكر من بعده فعمل بها حتى توفي، ثم أخرجها عمر من بعدِه فعمل بها"(1)
…
ثم بيّنها ابن عمر.
وخطب صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، فذكر تحريم مكة، وقال:"من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يعقل، وإما أن يقاد أهل القتيل". فجاء رجل من أهل اليمن، فقال:"اكتب لي يا رسول الله". فقال: "اكتبوا لأبي فلان"(2).
وكان له صلى الله عليه وسلم كتبة يكتبون الوحي، ويكتبون له إلى عماله والمؤمنين به في أطراف الجزيرة العربية، وإلى رؤساء الدول المجاورة. ومن كتّابه زيد بن ثابت، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاوية، وسواهم كثير (3).
وقد جمع محمد حميد الله (4) ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من المكتوبات في شؤون التبليغ والسياسة، فكانت قريباً من 280 وثيقة. كثير منها في دعوة الأقوام والرؤساء إلى الله تعالى. ومنها عهود ومواثيق. ومنها إعذار وإنذار وتبشير وتثبيت وأمر بالتمسّك بدين الله. ومنها تفصيل لأحكام شرعية يُلزم بها كمقادير الزكاة ومقادير الدِّيات.
وهذا يؤكد أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ الكتابة وسيلة لبيان أحكام الشريعة وتبليغها. وأن البيان يحصل بها ويتم.
وقد جمع رسائله أيضاً عليّ بن حسين الأحمدي (5) في مجلد ضخم، فيه أكثر من 170 وثيقة.
(1) نيل الأوطار: 4/ 139
(2)
رواه البخاري 1/ 205 وأبو داود.
(3)
انظر: حصر كتابه صلى الله عليه وسلم في زاد المعاد لابن القيم، والبداية والنهاية لابن كثير، وغيرهما.
(4)
انظر كتابه: "الوثائق السياسية والإدارية للعهد النبوي والخلافة الراشدة" بيروت، دار الإرشاد، 1389 هـ.
(5)
انظر كتابه: "مكاتيب الرسول" بيروت، دار المهاجر (د. ت).