الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس التقرير
- تمهيد في حقيقة التقرير.
1 -
الإنكار وما يحصل به.
2 -
حجية التقرير.
3 -
شروط التقدير.
4 -
أنواع التقرير ودلالة كل منها.
5 -
تعدية حكم التقرير لغير المقرر.
6 -
مسائل متفرقة.
أ- ذكر الأمر في أثناء القول هل يكون تقريراً؟.
ب- السكوت على ما يوهمه القول الجائز.
ج- الإقرار على الفعل الحادث والفعل المستدام.
د- بين الإقرار وقاعدة: لا ينسب للساكت قول.
هـ- سعة دلالة التقرير.
تمهيد
الإقرار في اللغة مصدر أقرّ، ومادة (ق ر ر) تكون في اللغة للبرد ضد الحر، والمصدر القُرّ. وتكون بمعنى الثبات في المكان والسكون فيه وترك الحركة. والمصدر القَرار، والقُرّ أيضاً. وتكون بمعنى إخراج الصوت على دفعات ومنه قَرُّ الدجاجة (1) ومنه القارورة، لأنها (تقرقر) إذا صُبَّ منها الماء.
وأقرَّ الشيءَ، وقرّره، ثبته في المكان، ويكون ذلك بأن يجده في مكان فيتركه على حاله فلا ينقله منه ولا يحرّكه، أو يجده في مكان فينقله إلى مكان آخر فيثبته فيه، أو يجده متحرّكاً فيسكنِّه.
ويخرج الإقرار عن هذا الأمر الحسّيّ إلى أمور معنوية ترجع إلى ترك التغيير أو المنع منه.
ويستعمل الفقهاء الإقرار بمعنى الاعتراف، لأن من اعترف بما نسب إليه أو اتهم به، فإنهم لم يغيّر ولم يدفع عن نفسه.
والإقرار والتقرير من النبي صلى الله عليه وسلم في عرف أهل السنن وأهل الأصول: "فإن يسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار قول قيل، أو فعلٍ فُعِل، بين يديه، أو في عصره وعلم به"(2).
والإقرار قد يكون نوعاً من السكوت، لأنه سكوت عن الإنكار، والسكوت كفّ عن القول.
(1) انظر عن لسان العرب.
(2)
الشوكاني: إرشاد الفحول ص 41، الزركشي: البحر المحيط 2/ 256 ب.
وقد يكون الإقرار كفاً عن الفعل، لأن بعض الأفعال يمكن إنكارها بالفعل.
ومن أجل ذلك فلا نرى من الصواب تعريف الإقرار بـ (السكوت عن الإنكار
…
إلخ) لأنه صلى الله عليه وسلم قد يسكت عن إنكار المنكر بلسانه ولكن يغيّره بيده، فلا يقال إنه قد أقرّه. وقد أزال ابنَ عباس عندما قام في الصلاة عن يساره فأقامه عن يمينه، ورأى رجلين يطوفان بالبيت وبينهما زمام فقطعه.
والأولى أن يقال في تعريف الإقرار إنه (كف النبي صلى الله عليه وسلم عن الإنكار على ما علم به من قول أو فعل).
والتقرير على الشيء لا يرادف الرضا به. بل ما تضمّن الرضا والموافقة فهو تقرير يحتج به، وما لم يتضمنه فهو تقرير لا يحتج به. فالتقرير حجة إذا وجدت شروط الاحتجاج به وانتفت الموانع، وليس حجة في ما عدا ذلك.
التقرير فعل من الأفعال:
وذلك من حيث إنه كفّ عن الإنكار، والكفّ فعل كما تقدم، أما الترك العدمي فلا يكون تقريراً، وذلك كعدم نهيه صلى الله عليه وسلم عن أشياء لم يعلم بها مما حدث في غير مكانه، أو بعد زمانه.
والذين جعلوا التقرير قسيماً للأقوال والأفعال، فليست طريقتهم في ذلك مرضيّة. وإنما تجري على قول من أبى أن يعتبر الكفّ فعلاً من الأفعال.
أهمية التقرير في البيان والتعليم:
سبق أن أشرنا في أوائل الباب الأول إلى ميزة التقرير في البيان والتعليم.
ونعيد شيئاً من ذلك هنا مع زيادة بيان. فنقول: إن البيان والتبليغ بالقول قد لا يحصل به التبيُّن الكامل، فيحتاج المبلّغ إلى أمثلة عمليّة مطابقة للوجه المشروع، فأرسل الله نبيه صلى الله عليه وسلم عاملاً بكتاب الله، ليكون عمله أنموذجاً يحتذى.
ثم إن السامع للبيان القولي، والمشاهِدَ للعمل النموذجيّ، قد يتخيّل في
بعض أجزاء العمل المشاهد أنها مطلوبة، أو أنها غير مطلوبة، ويكون ذلك مخالفاً للصواب. فإذا أريد له أن يكون تعلمه سليماً فينبغي أن يطلب منه تنفيذ العمل تحت إشرافٍ ومشاهدة ممن هو أعلى منه درجة في العلم والمعرفة. وتكون مهمة المشرف حينئذ إبطال الأجزاء الزائدة، والأمر بتكميل الأجزاء الناقصة، وتعديل المخالف في الصفة، حتى يتمّ التمرن على العمل على الوجه الصواب، ويصبح أداؤه على ذلك الوجه عادة للمتعلم، وبه يتم التعليم.