الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسالك الأصوليين في تعدد الصور التفصيلية:
قد ذكرنا في الجدول المبيّن جميع العوامل التي قال الأصوليون بتأثيرها في نتيجة الاختلاف بين القول والفعل، سواء ما اتفقوا على تأثيره أو اختلفوا فيه. والصور تحتمل كما يتبيّن من الجدول، 144 (مئة وأربع وأربعون) صورة، ناتجة من ضرب عدد الحالات بعضها ببعض.
وهناك عوامل أخرى يحتاج إلى النظر فيها أيضاً، كأن يكون القول الدالّ على التحريم أو الإيجاب نصاً أو ظاهراً، وكون العموم في العامل الرابع شاملاً للنبي صلى الله عليه وسلم نصاً أو ظاهراً. فهذه أربعة تضرب في الحالات السابقة.
إلاّ أن بعض هذه الصور لا تعقل، وبعضها لا فائدة في تفصيله، وبعضها لا يعرف له أمثلة في السنة.
ثم إن من ألغى تأثير عامل من هذه العوامل الستة التي ذكرناها في الجدول. فإنه لا يدخله في الضرب، وينقص عدد الصور عنده بحسب ذلك.
فمن أول من وجد له حصر لعدد هذه الصور، الرازي في محصوله (1)، وقد اعتبر العوامل الثلاثة الأولى فقط، وهي: الترتيب الزمني (3)، التعقُّب أو التراخي (2)، أنواع القول (3)، تكون الصور عنده (18) صورة، إلاّ أنه أسقط سدس هذا العدد وهي صور ثلاث، لما كان التعقُّب أو التراخي حال الجهل بالتاريخ، لا أثر له. فانحصرت الصور عنده في (15) صورة، ذكرها بالتفصيل واحدة واحدة، ثم بيّن الحكم في كل منها.
وأما الآمدي فإنه أغفل عاملين من الستة، هما: الثاني (التعقُّب أو التراخي) السادس وهو تكرر مقتضى القول، واعتبر الأول (3)، والثالث (3) والرابع (2) والخامس (2) فانحصرت الصور عنده في (36) صورة ذكرها بالتفصيل وبين الحكم في كل منها.
والسبكي اعتبر العامل الأول، وهو الترتيب الزمني (3)، والثالث وهو أنواع
(1) ق 53، 54
القول (3)، والسادس، وهو تكرّر مقتضى القول (2)، فانحصرت عنده الصور في (18) صورة (1)، وذكر عامل التأسّي بالفعل في بعض الصور.
وأما أبو شامة (2) فقد أربى على شيخه الآمدي باعتبار عامل التعقُّب والتراخي أيضاً، فكانت الصور عنده اثنتين وسبعين (72)، أسقط منها سدسها وهو (12) صورة، لأن عامل التعقُّب والتراخي لا أثر له في حالة الجهل بالتاريخ، كما تقدم. فانحصرت الصور عنده في (60) ستين صورة، اكتفى بأن ذكر أنها ستون، وصوّرها بعبارات تدل على كل منها. ولم يبين الحكم في كل منها، وإنما ذكر القوانين الإجمالية التي ينبغي اتباعها عند تحديد الحكم في كل صورة.
وقد تلقّف المسألة عنه الحافظ العلائي، وأخذ على عاتقه تفصيل هذه الصور الستن، وبيان الحكم في كل منها، واحدة واحدة. ثم مثّل بأمثلة كثيرة لتكون تطبيقاً وتدريباً ومزيد بيان. وسمّى رسالته (تفصيل الإجمال في تعارض الأقوال والأفعال) دلالة على ما صنعه في ذلك، إلا أنه لم يشر إلى أنه استمدّ مما صنع أبو شامة.
وجاء الشوكاني (3) بعد ذلك فذكر العوامل عينها التي اعتبرها أبو شامة والعلائي، ولكنه أخطأ في الحساب، فجعلها (48) صورة، وقال ان ما ذكره أولى. ثم فصل القول في (14) صورة منها فقط، لأنه رأى أن أكثر الصور غير موجود في السنة.
ونحن قد بيّنا في المطالب السابقة أن الأصح في بعض هذه العوامل الستة عدم تأثيره، ولذلك سنسقطه من الحساب.
والعوامل التي نسقطها هي العامل الثاني، وهو عامل التعقُّب أو التراخي، والثالث وهو تكرر الفعل، والرابع وهو ثبوت الدليل على تأسّي الأمة بالفعل الخاص.
(1) تقرير الشربيني 2/ 99
(2)
المحقق ق 48 - 50
(3)
إرشاد الفحول ص 39