المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل الهم بالشيء حجة - أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية - جـ ٢

[محمد سليمان الأشقر]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني الأفعال غير الصريحة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول الكتابة

- ‌المطلب الأول هل الكتابة قول أو فعل

- ‌البيان بالكتابة:

- ‌المطلب الثاني منزلة الكتابة من القول عند الفقهاء والمحدثين

- ‌المطلب الثالث التعارض بين الكتابة وغيرها

- ‌الفَصل الثاني الإشارة

- ‌الإشارة فعل:

- ‌المطلب الأول كيفية الدلالة بالإشارة

- ‌المطلب الثاني الإشارة عند الفقهاء

- ‌المطلب الثالث حكم البيان بالإشارة

- ‌ما وقع في السنة من البيان بالإشارة:

- ‌الذي وقع في السنة من البيان بالإشارة ثلاثة أنواع:

- ‌المطلب الرابع التعارض بين الإشارة والقول

- ‌المطلب الخامس هل كانت بعض الإشارات ممتنعة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث الأوجُه الفِعليَّة لِلقَول

- ‌المبحث الأوّل التفريق بين الوجه العباري وبين الوجه الفعلي للقول

- ‌ضابط للتفريق بين وجهي القول:

- ‌ما يدخل تحت هذه القاعدة:

- ‌المبحث الثاني حصر الأوجه الفعليَّة للقول

- ‌الفصل الرابع التركتمهيد في حقيقة الترك:

- ‌هل الكفّ فعل من الأفعال

- ‌تقسيمنا لمباحث الترك:

- ‌المبحث الأوّل البيان بالترك

- ‌الترك وسيلة لبيان الأحكام، كالفعل:

- ‌ما يحصل بالترك من أنواع البيان:

- ‌المبحث الثاني أقسام الترك والأحكام التي تدل عليها

- ‌تفريق القاضي عبد الجبار في التأسيّ بين الترك والفعل ومناقشتنا له في ذلك:

- ‌تكرار الترك:

- ‌المبحث الثالث الترك المطلق والترك لسبب

- ‌أسباب الترك:

- ‌المبحث الرّابع نقل الترك

- ‌الفَصل الخامس السُّكوت

- ‌أنواع السكوت:

- ‌المطلب الأول السكوت لعدم وجود حكم في المسألة

- ‌السكوت عن بعض الأحكام مع بيان بعض آخر:

- ‌المطلب الثاني السكوت لمانع

- ‌المطلب الثالث ترك الحكم في حادثة هل يوجب ترك الحكم في نظيرها

- ‌المطلب الرابع ترك الاستفصال عند الإفتاء ومدى دلالته على عموم الحكم

- ‌رأينا في المسألة:

- ‌فروع تنبني على هذه القاعدة:

- ‌الفرع الأول: من أسلم على أختين

- ‌الفرع الثاني: قضاء رمضان عن الميت:

- ‌الفصل السادس التقرير

- ‌المبحث الأول الإنكار وما يحصل به

- ‌أنواع الإنكار:

- ‌الإنكار وخصائصه في بيان الأحكام:

- ‌المبحث الثّاني حجية التقرير

- ‌أدلة القول الأول:

- ‌أدلة القول الثاني:

- ‌درجات التقرير من حيث القوة:

- ‌المبحث الثالث شروط صحَّة دلالة التقرير

- ‌المبحث الرّابع أنواع التقرير ودلالة كُلٍّ منهاأنواع التقرير:

- ‌الأحكام التي تدل عليها التقارير:

- ‌1 - الإقرار على الأقوال:

- ‌2 - الإقرار على الأفعال:

- ‌كيفية معرفة حكم الفعل المقرّ عليه:

- ‌الإقرار على ما كان في الجاهلية واستمر في أول الإسلام:

- ‌3 - الإقرار على الترك:

- ‌المبحث الخامس تعدية حكم التقرير لغير المقرر

- ‌المبحث السادس في مسائل متفرقة

- ‌المسألة الأولى: ذكر الأمر في أثناء القول هل يكون تقريراً:

- ‌المسألة الثانية: السكوت على ما يوهمه القول الجائز:

- ‌المسألة الثالثة: الإقرار على الفعل الحادث، والفعل المستدام:

- ‌المسألة الرابعة: بين قاعدة الإقرار وقاعدة "لا ينسب للساكت قول

- ‌المسألة الخامسة: سعة دلالة التقرير:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌الفصل السابع الهمّ بالفعل

- ‌هل الهمّ بالشيء حجة

- ‌الفصل الثامن الملحقات بالأفعال النبوية

- ‌المبحث الأوّل أفعاله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة

- ‌المبحث الثاني الشمائل النفسيّة (الأخلاق)

- ‌المبحث الثالث فعله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا

- ‌المطلب الأوّل إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، يفعل فعلاً، فرؤيا الأنبياء حق

- ‌المطلب الثاني من رأى في المنام النبي صلى الله عليه وسلم يفعل

- ‌أخذ الأحكام الشرعية من فعله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا:

- ‌المبحث الرّابع ما فعل به صلى الله عليه وسلم بعد موته

- ‌وجه الاحتجاج بذلك:

- ‌المبحث الخامس أفعال الله تعالى

- ‌قولنا في ذلك:

- ‌الأوجه الفعلية لقوله تعالى:

- ‌المبحث السادس تقرير الله تعالى

- ‌رأينا في هذا الأصل:

- ‌المبحث السابع أفعال أهل الإجماع

- ‌الباب الثالث التعارض والترجيح

- ‌مقدمة في الاختلاف بين الأدلة

- ‌العمل عند اختلاف الأدلة:

- ‌الخطوة الأولى: الجمع بين الدليلين:

- ‌الخطوة الثانية: النسخ:

- ‌الخطوة الثالثة: الترجيح بين الدليلين:

- ‌الخطوة الرابعة: التوقف أو التخيير:

- ‌الفصل الأوّل التعارض بين الفعل والفعل (ويدخل فيه التعارض بين الفعل والترك)

- ‌مذاهب الأصوليين في ذلك:

- ‌تحرير محل النزاع:

- ‌قولنا في المسألة:

- ‌مسألة اختلاف الفعلين قلة وكثرة:

- ‌الفصل الثاني تعارض الأقوال والأفعال

- ‌المبحث الأوّل أسبابُ الاختلاف بين القول والفعل

- ‌العمل عند اختلاف مقتضى الفعل والقول:

- ‌المبحث الثاني الجمع بين القول والفعل إذا اختلفا

- ‌تخصيص العموم بفعله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالث القول الذي يعارضه الفعل

- ‌تكرر مقتضى القول:

- ‌المبحث الرّابع الفعل الذي يصح معارضته للقول

- ‌الشرط الأول: قيام دليل خاص على وجوب التأسّي بالفعل:

- ‌الشرط الثاني:

- ‌المبحث الخامس نسخ حكم الفعل بالقول وعكسُه

- ‌المبحث السادس العمل عند التعارض مع الجهل بالترتيب الزّمني

- ‌المبحث السَّابع الصَّور التفصيلية لاختلاف القول والفِعل

- ‌جدول الصور التفصيلية لاختلاف القول والفعل

- ‌مسالك الأصوليين في تعدد الصور التفصيلية:

- ‌أمثلة تعين على إيضاح ما تقدم

- ‌الفصل الثالث تعارض الفعل والأدلة الأخرى

- ‌أولاً - القرآن:

- ‌ثانياً- الإجماع:

- ‌ثالثاً- القياس:

- ‌قولنا في المسألة:

- ‌الفصل الرابع اختلاف التقرير والقَول أو الفِعْل

- ‌المبحث الأوّل اختلاف التقرير والقول

- ‌صور اختلاف التقرير والقول:

- ‌أمثلة على اختلاف القول والتقرير:

- ‌المبحث الثاني اختلاف التقرير والفعل

- ‌أمثلة على اختلاف الفعل والتقرير:

- ‌ختام

- ‌ملحق الصور التفصيلية لاختلاف القول والفعل مع بيان الحكم في كل منهما

- ‌القُطبُ الأوَّل

- ‌القُطبُ الثَّاني

- ‌القُطبُ الثالِث

- ‌القطب الرَّابع

- ‌المَرَاجع

- ‌فهرس الأعلام

- ‌الآمدي (551 - 631 ه

- ‌ابن أبي جمرة (…-695 ه

- ‌ابن أبي الحديد (586 - 655 ه

- ‌ابن أبي شريف (822 - 906 ه

- ‌ابن أبي هريرة (…-345 ه

- ‌ابن الأثير (544 - 606 ه

- ‌ابن أمير الحاج (…-889 ه

- ‌ابن تيمية (661 - 728 ه

- ‌ابن تيمية (الأب) (627 - 682 ه

- ‌ابن تيمية الجد (…-652 ه

- ‌ابن جماعة: (639 - 733 ه

- ‌ابن الجوزي (508 - 597 ه

- ‌‌‌ابن الحاج (…-737 ه

- ‌ابن الحاج (…-737 ه

- ‌ابن حبان (…-354 ه

- ‌ابن حجر العسقلاني (773 - 852 ه

- ‌ابن حزم (384 - 456ه

- ‌ابن خلاّد (…-360 ه

- ‌ابن خلدون (732 - 808 ه

- ‌ابن خويز (…-390 هـ تقريباً):

- ‌ابن دقيق العيد (702 ه

- ‌ابن رشد (450 - 520 ه

- ‌ابن سريح (249 - 306 ه

- ‌ابن سعد (168 - 230 ه

- ‌ابن سيده (398 - 458 ه

- ‌ابن سيرين (33 - 110 ه

- ‌ابن عبد السلام (577 - 660 ه

- ‌ابن عبدان (…-433 ه

- ‌ابن العربي (468 - 543 ه

- ‌ابن عقيل (431 - 513 ه

- ‌ابن عليّة (110 - 193 ه

- ‌ابن فورك (…-406 ه

- ‌ابن قاسم (…-992 ه

- ‌ابن قدامة (541 - 620 ه

- ‌ابن القيم (691 - 751 ه

- ‌ابن اللحام (752 - 803 ه

- ‌ابن مسعود (…-32 ه

- ‌ابن الملقن (723 - 804ه

- ‌ابن المنذر (242 - 319 ه

- ‌ابن منظور (630 - 711 ه

- ‌ابن الهمام (790 - 861 ه

- ‌ابن واصل (604 - 697 ه

- ‌أبو إسحاق المروزي (…-340 ه

- ‌أبو الحسين البصري (…-436 ه

- ‌أبو الخطاب (432 - 510 ه

- ‌أبو شامة (559 - 665 ه

- ‌أبو الشعثاء (21 - 93 ه

- ‌أبو عبد الله البصري (…-370 ه

- ‌أبو يعلى (380 - 458ه

- ‌أبو يوسف (113 - 182 ه

- ‌الأبياري (557 - 618 ه

- ‌الأرموي (594 - 682 ه

- ‌الإسفراييني، أبو حامد (344 - 406 ه

- ‌الإسنوي (704 - 772 ه

- ‌الإصطخرى (244 - 328 ه

- ‌إلكيا الطبري (450 - 504 ه

- ‌أم سليم (…-30 ه

- ‌أمير بادشاه (…-987 ه

- ‌الباقلاني (338 - 403ه

- ‌البخاري (…-730 ه

- ‌البزدوي (…-482 ه

- ‌بشر الحافي (150 - 227 ه

- ‌البلقيني (724 - 805 ه

- ‌البيضاوي (…-685 ه

- ‌التفتازاني (712 - 791ه

- ‌التهانوي (…- بعد 1158 ه

- ‌التميمي (317 - 371ه

- ‌الثوري (97 - 161 ه

- ‌الجبائي، أبو علي (235 - 303ه

- ‌الجصاص (…-370 ه

- ‌جولد زيهر، أجناس (1266 - 1340 ه

- ‌الجويني (419 - 478 ه

- ‌حاجي خليفة (1017 - 1067 ه

- ‌الحارث المحاسبي (…-243 ه

- ‌الحليمي (338 - 403ه

- ‌خالد الأزهري (838 - 905 ه

- ‌الخطابي (…-388 ه

- ‌الدهلوي (1110 - 1176 ه

- ‌الرازي (543 - 606 ه

- ‌الرَّوياني (415 - 502 ه

- ‌الزركشي (745 - 794 ه

- ‌زكريا الأنصاري (826 - 926 ه

- ‌الزيدية:

- ‌السبكي (727 - 771 ه

- ‌السرخسي (…-483 ه

- ‌السمعاني (426 - 489 ه

- ‌سهل التستري (200 - 283 ه

- ‌السهيلي (508 - 581 ه

- ‌السيوطي (849 - 911 ه

- ‌الشربيني (…-1326 ه

- ‌شريح (42 ق. هـ-78 ه

- ‌الشوكاني (1173 - 1250ه

- ‌الشيرازي (393 - 476 ه

- ‌صدر الشريعة (…-747 ه

- ‌الصغاني (577 - 650 ه

- ‌الصنعاني (1099 - 1182ه

- ‌الصيرفي (…-330 ه

- ‌الطحاوي (239 - 321ه

- ‌العاقولي (733 - 797 ه

- ‌عبد الله بن سعد بن أبي السرح (…-37 ه

- ‌عبد الجبار الهمداني (…-415 ه

- ‌عبد الرحمن بن مهدي (135 - 198 ه

- ‌عبد الوهاب خلاف (1306 ه

- ‌العضد (…-756 ه

- ‌العلائي (694 - 761 ه

- ‌علي المتقي الهندي (888 - 975 ه

- ‌(الشيخ) عُليش (1217 - 1299ه

- ‌عياض، القاضي (476 - 544 ه

- ‌الفاطميون:

- ‌القرافي (…-684 ه

- ‌القرطبي (…-671 ه

- ‌القشيري (376 - 465 ه

- ‌القفال (291 - 365 ه

- ‌الكرّامية:

- ‌الكرخي (260 - 340 ه

- ‌المازري (453 - 536 ه

- ‌المحلي (791 - 964 ه

- ‌محمد بن الحسن الشيباني (131 - 189 ه

- ‌محمد خليل هراس (…-1392 ه

- ‌النحّاس (…-338 ه

الفصل: ‌هل الهم بالشيء حجة

وإنما تكلّم الأصوليون في الهم والعزم منه صلى الله عليه وسلم. ونحن نجعل القول فيهما واحداً لتقاربهما وعسر الانفصال بينهما، حتى إن بعض أهل اللغة قال: الهم هو العزم (1).

وهذان النوعان هما فعلان نفسيان، ومن هنا دخلا في موضوع هذه الرسالة.

‌هل الهمّ بالشيء حجة

؟:

إذا همّ النبي صلى الله عليه وسلم بالشيء ولم يفعله، ففي دلالته على مشروعية فعل ذلك الشيء قولان:

الأول: أن ما همّ به حجة. وقد جعله الزركشي أحد أقسام السنة. قال: ولهذا استحبّ الشافعي في الجديد للخطيب في الاستسقاء مع تحويل الرداء تنكيسَه، بجعل أعلاه أسفلَه، محتجاً بـ "أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة له سوداء، فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها. فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه"(2).

قال الشافعي بعد أن ذكر الحديث: "وبهذا أقول، فنأمر الإمام أن ينكّس رداءَه فيجعل أعلاه أسفله، ويزيد مع تنكيسه فيجعل شقّه الذي على منكبه الأيمن على منكبه الأيسر، والذي على منكبه الأيسر على منكبه الأيمن، فيكون قد جاء بما أراد رسول الله من نكسه، وبما فعل من تحويله"(3). اهـ.

وقال الشوكاني: قال الشافعي ومن تابعه إنه يستحب الإتيان بما همّ به صلى الله عليه وسلم. ولهذا جعل أصحاب الشافعي الهمّ من جملة أقسام السنة، وقالوا يقدم القول ثم الفعل ثم التقرير ثم الهمّ.

الثاني: أن الهمّ ليس بحجة. وممن ذهب إلى ذلك الشوكاني. قال: "الحق أن الهمّ ليس من أقسام السنة" قال: "لأنه مجرّد خطور شيء على البال من دون تنجيز له. وليس ذلك مما آتانا الرسول، ولا مما أمر الله سبحانه بالتأسيّ به فيه"(4)

(1) فتح الباري 11/ 328

(2)

البحر المحيط 2/ 259 ب.

(3)

الذي ذكره الزركشي معنى ما قال الشافعي، ونحن نقلنا النص من (الأم) للشافعي 1/ 251

(4)

إرشاد الفحول ص 41

ص: 133

ونحن نقول وبالله التوفيق: إن الهمّ بالشيء أمر نفسي لا يظهر لنا إلاّ بإحدى طريقتين" إما أن يخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، وإما أن يقدم على الفعل فيحول بينه وبينه حائل فيتركه.

الطريق الأولى: أن يخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم.

وحينئذٍ فلا يخلو من أحوال.

1 -

إما أن يخبرنا به على سبيل الزجر عن عمل معين. فيدلّ على تحريم ذلك العلم أو كراهته، بدلالة القول، كقوله صلى الله عليه وسلم:"لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام. ثم آمر رجلاً فيؤمّ الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم بالنار"(1).

دلّ ذلك على وجوب حضورها، وتحريم التخلف عنها، وهي دلالة قولية، من حيث إنه بيّن بقوله ما يفيد أن ما فعلوه هو ذنب.

وكذلك حديث: "إنه صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مجخّاً على باب فسطاط. فقال: لعلّه يريد أن يلمّ بها؟ قالوا: نعم. قال: لقد هممت أن ألعنه لعناً يدخل معه قبره، كيف يستخدمه وهو لا يحلّ له، أم كيف يورثه وهو لا يحلّ له؟ ".

أما المختلف فيه فهو أن يدل الهمّ على مثل ما يدل عليه الفعل لو فعله. فهل يجوز تحريق المتخلفين، ولعن من أراد أن يفعل كفعل صاحب تلك المرأة؟ هذا موضع الإشكال. وهذا النوع يلتحق من هذه الجهة بالهم المجرّد الآتي ذكره.

2 -

وأما أن يخبرنا بهمّه مبيّناً لنا أنه ترك ما همّ به وعدل عنه لأنه تبيّن له أن الداعي له غير صحيح، كقوله صلى الله عليه وسلم:"لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، حتى ذكر لي أن فارس والروم يغيلون فلا يضر ذلك أولادهم"(2).

والحكم في هذا النوع واضح.

3 -

وإما أن يخبرنا بأنه ترك الفعل اكتفاء بغيره من الدلالات. ولا شكّ في

(1) حديث أبي هريرة رواه البخاري 2/ 152

(2)

الغيلة وطء المرضعة. والحديث رواه مسلم ومالك.

ص: 134

حجية هذا النوع. ومنه حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر فأعهد، أن يقول قائلون أو يتمنى المتمّون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون"(1).

4 -

وإما أن يخبرنا بأنه همّ بالشيء ولم يفعله، دون زيادة. وهو الهمّ المجرّد. ومثاله حديث:"لقد هممت أن لا أتّهب هبة إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي"(2).

قولنا في ذلك: الظاهر أن الهمّ لا يدلّ على مثل ما يدل عليه الفعل لو فعله. فما قال الشوكاني من أن: "الهمّ ليس تنجيزاً للفعل" صحيح، وينبغي أن يعتمد. فهو صلى الله عليه وسلم لم يُخْرِج ما همّ به إلى حيّز الوجود، فيحتمل أن تكون هناك موانع شرعية منعته من ذلك، أو أنه صلى الله عليه وسلم وجَد السبب أقلّ من أن يكون كافياً لبناء الحكم عليه.

فلا يتمّ القول بأن الهمّ المجرد أقسام من أقسم السنة.

وعليه فإن استدلال البخاريّ وابن حجر وابن العربي بحديث الهمّ بتحريق المتخلفين على بعض الأحكام، فيه نظر، ومن ذلك ما بوّب عليه البخاريّ:(باب إخراج أهل الرَيب من البيوت بعد المعرفة)(3) وما قال ابن حجر: "فيه من الفوائد جواز العقوبة بالمال

وفيه جواز أخذ أهل الجرائم على غرة

واستدل به ابن العربي وغيره على مشروعية قتل تارك الصلاة متهاوناً بها

وفيه الرخصة للإمام أو نائبه في ترك الجماعة لأجل إخراج من يستخفي في بيته ويتركها، ولا بعد أن تلحقه في ذلك الجمعة

واستدل به ابن العربي على جواز إعدام محل المعصية كما هو مذهب مالك" (4).

وأما تبويب البخاري على الحديث في موضع آخر: "باب وجوب صلاة

(1) حديث عائشة: "لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر

" انفرد به البخاري.

(2)

حديث: "لقد هممت أن لا أتهب

" رواه أحمد: المسند، تحقيق أحمد شاكر 4/ 240 وقال: "قال في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح، ونسبه ابن حجر في التلخيص إلى ابن حبان في صحيحه".

(3)

فتح الباري 13/ 215

(4)

المصدر نفسه 2/ 130

ص: 135

الجماعة" (1) فهو مأخوذ من الدلالة القولية. وهو استدلال صحيح، والنظر إنما هو في التعارض بينه وبين غيره من الأدلة.

الطريق الثانية: إن يحول بينه وبين الفعل حائل جعله يترك الفعل بعد أن عالجه. وهذا النوع هو الذي قال فيه الشافعي ما قال، واعتبره حجة. ذكر ذلك في باب صلاة الاستسقاء من (الأم) كما تقدم. فجعل قلب الرداء أعلاه أسفله سنة.

وقد أبى ذلك جمهور الفقهاء في هذا الفرع. منهم المالكية والحنابلة (2). وانفصل ابن قدامة عن دلالة الحديث باحتمال خطأ الراوي. وأنه يبعد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك في جميع الأوقات لثقل الرداء.

ومن أمثلته أيضاً حديث: " أنه صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بضبٍّ محنوذ فأهوى بيده ليأكل، فقيل: أخبِروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل. فقيل: ضب. فرفع يده"(3). ففيه دلالة على جواز الإقدام على أكل ما لا يعرفه، إذا لم يظهر فيه علامة التحريم.

قولنا في ذلك: إن هذا النوع عندنا أعلى من النوع الذي قبله، لأن المانع خارجيّ، والمباشرة قد وقعت. فالقول بأنه من أقسام السنة لا يستبعد.

والتفريق بين النوعين واضح. فإن هذا النوع في حقيقته من أقسام العزم. والعزم أعلى أنواع الهمّ. وينبغي حمل كلام الشافعي على هذا النوع خاصة، خلافاً للزركشي الذي جعل مذهب الشافعي أن الهمّ مطلقاً من السنة.

ولا يعني هذا أننا نأخذ بما قال الشافعي رضي الله عنه من القول بتنكيس الرداء، وذلك لما قاله ابن قدامة، ولما ورد في الحديث:"فحوّل الناس أرديتهم". فإذا كان الصحابة رضي الله عنهم، الحاضرون معه في تلك الصلاة تابعوه فتركوا ما هم به وتركه، فأولى أن يتابعه من بعدهم. ولعلّ هذا الفعل خاصة كان مطلوباً على الصفة التي فعلها هو صلى الله عليه وسلم. والله أعلى وأعلم.

(1) المصدر نفس 2/ 125

(2)

ابن قدامة: المغني 2/ 435

(3)

البخاري 9/ 542

ص: 136