الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثاني:
أن يدل دليل على وجوب تكرار الفعل. وهذا الشرط أيضاً ذكره الآمدي وابن الحاجب ومن بعدهم، ولم يذكره المتقدمون.
ووجه اشتراطه أنه إذا لم يقم دليل على وجوب تكراره عليه صلى الله عليه وسلم وقال قولاً مخالفاً له، فليس ذلك تعارضاً، لأنه لا عموم للفعل في الأزمان ومثاله ما لو صام يوم السبت، ثم قال بعد ذلك: صوم يوم السبت عليّ حرام.
قال ابن الهمّام وشارحه في إيضاح ذلك: "قد أخذَتْ صفة الفعل مقتضاها منه بذلك الفعل الواحد، والقول الصادر بعد ذلك الفعل الواحد مسألة شرعية مستأنفة في حقه، لا ناسخ"(1).
ولم يذكر السبكي في جمع الجوامع والمحلى هذا الشرط، وأشار إلى الردّ على من اشترطه بقوله: إن الفعل الصادر منه صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز المستمرّ.
وممن ذكَرَ بطلان هذا الشرط العطّار (2) والشربيني. ويقول الشربيني: "تقييد بعضهم بدلالة الدليل على تكرر مقتضى الفعل، هو تقييد لا حاجة إليه، لأن فعله صلى الله عليه وسلم غير الجبلّيّ إنما يكون للتشريع، ومتى كان له، دام مقتضاه حتى يرفعه خلافه. وقد قالوا في الفعل المجهول الصفة إنه للوجوب، ولم يقل أحد إنه للوجوب مرة واحدة فقط"(3). اهـ.
وعندي أن الخلاف في ذلك راجع إلى مسألة ما يدل عليه الفعل، فإن دلّ على الجواز ثم جاء القول مانعاً، لم يكن القول نسخاً ولا معارضاً عند من يقول إن الجواز المستفاد من الفعل ليس حكماً شرعياً، وإنما هو عدم الحكم. والى هذا نظر ابن الهمّام.
أما من قال بأن الجواز المستفاد من الفعل هو حكم شرعي، أو حيث فهم أن
(1) تيسير التحرير 3/ 150
(2)
حاشية على شرح جمع الجوامع.
(3)
تقريره على شرح جمع الجوامع 2/ 99 بتصرف.
الفعل وقع على وجه الوجوب أو الندب، فإن القول الواقع بعده يجوز أن يقال إنه ناسخ له.
تنبيه: يقول أبو شامة إن فائدة قولنا: "دلّ الدليل على التكرار" فيما إذا تقدم الفعل، لتحصل المعارضة بينه وبن القول المتناول للرسول صلى الله عليه وسلم. أما إذا تأخر الفعل فسواء دلّ على التكرار دليل أو لم يدل، لا أثر له فيما يرجع إلى تصوير المعارضة، اهـ. وقوله هذا سديد بيّن، لأنه صلى الله عليه وسلم لو فعل الفعل مرة واحد وقد سبق تحريمه، ولم نقدر نسخ التحريم، لكان الفعل معصية.