الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونحن نرى أن القول بجواز نسخ القول بالتقرير، أصحّ من القول بامتناعه، وذلك من أوجه:
الأول: أنه قد يعلم انتفاء الفارق في بعض الصور، كالمثال الذي نقلنا قول الشافعي فيه.
الثاني: ما نقل من الإجماع على أن الأمة في أحكام الشرع سواء. ويشهد له في هذا المقام ما ورد عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: "ردّ النبي صلى الله عليه وسلم التبتل على عثمان بن مظعون، ولو أذن له لاختصينا"(1) إذ أن قوله هذا يدل على أنهم كانوا يرون التقرير لواحد على خلاف العموم، هو تقريره لغيره.
الثالث: أنه لو كان الإقرار على خلاف مقتضى العموم خاصاً بالمقرر لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم بيان الخصوصية، لئلا يكون ذلك تلبيساً على من علم بذلك الإقرار. وقد قال الغزالي:"لو كان (الفعل القرر عليه) من خاصيته -أي المقرر- لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيّن اختصاصه، بعد أن عرّف أمته أن حكمه في الواحد كحكمه في الجماعة، فيدلّ من هذا الوجه على النسخ المطلق"(2).
صور اختلاف التقرير والقول:
إذا أقرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم إنساناً مؤمناً متبعاً على فعلٍ سبق النهي عنه، أو على ترك فعل سبق الأمر به، فتقريره حجة كما تقدم.
وفي المسألة عوامل ثلاثة تؤثّر في حكمها:
العامل الأول: (وله حلاّن) لأن القول إما أن يكون خاصاً بالمقرر، أو عاماً له ولغيره.
فإذا كان القول خاصاً به، لم يحتمل أن يكون التقرير تخصيصاً، واحتمل أن يؤول القول إن أمكن، وإلاّ فالنسخ.
(1) رواه مسلم 9/ 176 والبخاري 9/ 117
(2)
المستصفى 2/ 29
أما إن كان القول عاماً للمقرر وغيره فإما أن يؤول القول، أو يكون التقرير تخصيصاً إذا ظهر المعنى، وإلاّ فالنسخ.
العامل الثاني: (وله ثلاثة أحوال) أن يكون القول نصّاً في الإلزام كلفظ الوجوب والفرض، والتحريم، والحظر، أو يكون ظاهراً في الإلزام كلفظ الأمر والنهي. أو لا يكون للإلزام أصلاً، كألفاظ الترغيب والإباحة.
فإن كان القول نصّاً في الإلزام، لم يحتمل الجمع بينه وبين التقرير بحمل القول على الاستحباب أو الكراهة. ولكن يجب المصير إلى التخصيص إن صح، وإلاّ فالنسخ.
وإن كان القول ظاهراً في الإلزام، أمكن الجمع بحمله على خلاف ظاهره، فيكون للاستحباب أو الكراهة.
وإن كان القول للاستحباب أو الكراهة فلا تعارض.
تنبيه: في الإقرار على فعل المكروه بحث، وينظر في فصل الإقرار من الباب الثاني.
العامل الثالث: (وله حالان) أن يقوم دليل على تكرار مقتضى القول، أو لا يقوم عليه دليل.
ومثال ما قام الدليل على تكراره النهي، فإنه يقتضي الدوام.
وكذلك الأمر إن علّق بسبب أو وصفٍ متكررين.
فإن أقرّ على خلافه وجب المصير إلى الجمع إن أمكن، وإلا فالتخصيص وإلاّ فالنسخ.
أما إن لم يقم الدليل على وجوب تكراره فلا تعارض أصلاً إذا كان المقَرُّ قد فعله مرة واحدة. فإن كان لم يفعله ألبتة، وأقره على تركه، فهو كما لو قام الدليل على تكرر مقتضى القول.
ففي المسألة اثنتا عشرة صورة، تنشأ من ضرب عدد أحوال العوامل بعضها في بعض.