الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرّابع نقل الترك
الذي يعرف به أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الفعل أمران.
الأول: ذكر الصحابي ذلك، وهو الأكثر، بقوله: ترك صلى الله عليه وسلم كذا، أو: لم يفعل كذا. ومن أمثلته ما تقدم في شهداء أحد: "لم يغسلوا ولم يصلِّ عليهم". وقول ابن عباس في صلاة العيد: "لم يكن يؤذَّن يوم الفطر ولا يوم الأضحى"(1). وقول جابر: "صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد بلا أذان ولا إقامة". وقول أنس: "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على أحياءٍ من أحياء العرب، ثمّ تركه"(2). وقول عمر بن الخطاب في شأن تعيين الخليفة من بعده: "إن أترككم فقد ترككم من هو خير مني"(3). يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف عليهم أحداً. وقول أنس بن مالك: "صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم" (4).
وفي هذه المسألة بحث، وهو أن الفعل أمر وجوديّ، والناقل له يخبر عما شاهده. فقلما يقع فيه الخطأ من هذه الجهة. أما نقل الترك فهو نفي للفعل. ونفي الفعل صيغة تعمّ، فيحتاج أن يكون الناقل قد اطّلع على أحواله صلى الله عليه وسلم كلها، حتى يصح له النفي جزماً، وقد ينفي بناء على ما اطّلع عليه من غالب أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون النفي على سبيل غلبة الظن، وهذا هو الأغلب في نقل الترك.
فأما النوع الأول، وهو النفي القاطع، فمثل ما قالت عائشة: "ما اعتمر
(1) متفق عليه (جامع الأصول 7/ 87).
(2)
مسلم وأحمد والنسائي (نيل الأوطار 2/ 359).
(3)
مسلم 12/ 205 والبخاري.
(4)
متفق عليه (جامع الأصول 6/ 220).
رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب قط". فهذا على سبيل الجزم، فإن اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم أمر لا يخفى، وعُمرُهُ التي فعلها محصورة.
وأما النوع الثاني، فمثل ما قالت عائشة أيضاً:"ما بالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً منذ أنزل عليه القرآن"(1). وقالت: "من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعداً"(2). فإنها لم تشاهده في كل أحواله.
ومن هنا إذا تعارض نقل الترك مع نقل الفعل، فإن كان نقل الترك من النوع الأول، لم يترجّح أحدهما على الآخر من هذا الوجه. وينبغي الترجيح بوجه آخر، وقد يقدم نقل الترك. وقد قدموا نقل عائشة للترك على نقل ابن عمر للفعل، في قضية عمرة رجب.
وأما النوع الثاني من نقل الترك، وهو المنقول على غلبة الظنّ. فإنه إذا تعارض مع نقل الفعل يقدم نقل الفعل. لأن ناقل الفعل جازم وناقل الترك يتكلم على غلبة الظن (3). ومن هنا قدموا رواية حذيفة:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً"(4) على رواية عائشة التي تنفي ذلك، كما تقدم.
الثاني: قال ابن القيم: "عدم نقلهم لما لو فعله لتوفّرت هممهم ودواعيهم على نقله، (هو نقل لتركه)، فحيث لم ينقله واحد منهم ألبتة، ولا حدّث به، علم أنه لم يكن"(5). اهـ. وجعل ابن القيم منه: ترك التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة. وترك رفع يديه كل يوم في صلاة الصبح بعد رفع رأسه من ركوع الركعة الثانية، وقوله كل يوم: اللهم اهدني في من هديت
…
ويقول المأمومون خلفه بصوت مرتفع: "آمين".
(1) أبو عوانة في صحيحه (فتح الباري 1/ 328).
(2)
رواه الخمسة إلا أبا داود (نيل الأوطار 1/ 101).
(3)
قاعدة (تقديم المثبت على النافي) قال بها جمهور الفقهاء على ما نقله إمام الحرمين (انظر: إرشاد الفحول ص 279) والغزالي يقول في المستصفى: (2/ 129) هما سواء. والأول أصح بالقيد الذي ذكرناه.
(4)
البخاري (الفتح 1/ 328).
(5)
إعلام الموقعين 2/ 370
قال: "ومن الممتنع أن يفعل ذلك ولا ينقله عنه أحد".
وقد قال بهذه النظرية أيضاً: ابن دقيق العيد. فقد ذكر حديث أبي هريرة في سجود السهو، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم:"سجد للسهو ثم سلّم". قال ابن دقيق العيد: "لم يذكر التشهّد بعد سجود السهو. وفيه خلاف عند أصحاب مالك في السجود الذي بعد السلام. وقد يستدل بتركه في الحديث على عدمه في الحكم، كما فعلوا في مثله كثيراً، من حيث إنه لو كان لذكر ظاهراً"(1).
وذهب إلى ذلك ابن رشد أيضاً. فقد نقل إنكار مالك لشرعية سجود الشكر، بأنه لم يسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله. ثم قال ابن رشد:
"استدلاله على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده بأن ذلك لو كان لنقل، استدلال صحيح، إذ لا يصحّ أن تتوفر دواعي المسلمين على ترك نقل شريعة من شرائع الدين، وقد أمروا بالتبليغ"(2).
قال: "وهذا أصل من الأصول، وعليه يأتي إسقاط الزكاة من الخضر والبقول مع وجوب الزكاة فيها بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماء والعيون، والبعل، العشر، وفي ما سقي بالنضح نصف العشر". لأنا نزّلنا ترك نقل أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة منها كالسنة القائمة، في أن لا زكاة فيها، فكذلك يُنزَّل ترك نقل السجود عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشكر كالسنّة القائمة في أن لا سجود فيه". اهـ.
والحاصل أنّ من نقلنا عنهم -ابن القيم، وابن دقيق العيد، وابن رشد- وغيرهم كالشاطبي، يثبتون هذه القاعدة، وهي أن (ترك النقل هو نقل للترك) بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لو فعل الفعل الشرعي لتوفّرت هممهم ودواعيهم على نقله، لأنهم أُمروا بالتبليغ.
لقد ذكر ابن القيم اعتراض من اعترض على هذا التلازم بقوله:
"إن قيل: من أين لكم أنه لم يفعله، وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم؟ "(3).
(1) الإحكام 1/ 260
(2)
الموافقات للشاطبي 2/ 413
(3)
إعلام الموقعين 2/ 227
قال: "فهذا سؤال بعيد جداً عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه، ولو صحّ هذا السؤال وقُبِل، لاستَحَبَّ لنا مستحب الأذان للتروايح، وقال: من أين لكم أنه لم ينقل؟ واستحبَّ لنا مستحبٌّ آخر الغسل لكل صلاة، وقال: من أين لكم أنه لم ينقل ...... وانفتح باب البدعة، وقال كل من دعا إلى بدعة: من أين لكم أن هذا لم ينقل؟ ومن هذا تركه أخذ الزكاة من الخضراوات والمباطخ، وهم يزرعونها بجواره بالمدينة كل سنة فلا يطالبهم بالزكاة، ولا هم يؤدونها إليه".
ونحن نرى أن هذه مسألة مهمة، فإن إثبات هذه القاعدة على إطلاقها، يقتضي أن كل ما لم ينقل فعل النبي صلى الله عليه وسلم له، فقد تركه، ويكون ذلك حينئذٍ بمنزلة النص على حكمه، وذلك يقتضي منع إجراء العموم على وجهه ليشمل ما لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وكذلك يقتضي منع القياس في ذلك أيضاً. ومقتضى هذا ألا يعمل بعموم قرآن أو حديث حتى ينقل لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله.
ونحن سنناقش هذه القاعدة الأصولية من خلال تتبعنا لخلاف العلماء في هذا الفرع الفقهي، وهو أصناف الخارج من الأرض التي تؤخذ منها الزكاة. وإنما اخترنا هذا الفرع، لأن كل الذين أثبتوا هذه القاعدة، ممن تقدّم ذكرهم، مثلوا به.
وقد استقرأنا الأحاديث الفعليّة في قضية المعشرات من الخارج من الأرض، فوجدنا أن أصناف الخارج من الأرض التي نقل إلينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الزكاة منها أربعة أصناف لا غير، وهي التمر، والزبيب، والشعير، والقمح. ولم ينقل عنه أنه أخذ الزكاة مما سوى هذه الأصناف. ولا نصّ على شيء غيرها في حديث قوليّ.
واستقرأنا مذاهب الفقهاء (1) فوجدناهما كما يلي:
1 -
منهم من يقتصر على هذه الأصناف ما عدا الزبيب. ومن هؤلاء أحمد في رواية وجميع الظاهرية ما عدا ابن حزم.
(1) ابن حزم: المحلى 5/ 210 وما بعدها. ابن قدامة: المغني 2/ 690 وما بعدها.
2 -
ومنهم من يجعل الزكاة في كل ما خرج من الأرض، دون استثناء، وهو قول ابن حزم.
3 -
وأبو حنيفة يرى وجوب الزكاة في كل خارج من الأرض قصد به النماء، فتجب في كل الحبوب والثمار والنوار حتى الورد والسوسن والنرجس، ما عدا ثلاثة أشياء: الحطب، والقصب، والحشيش. وصاحباه استثنيا أيضاً الخضر والفواكه.
4 -
وقول الشافعي: كل ما عمل منه خبز أو عصيدة ففيه الزكاة، وما لم يؤكل إلاّ تفكهاً فلا زكاة فيه.
5 -
وقول مالك: أن الزكاة تجب في القمح والشعير والسلت وسائر ما يقتات من الحبوب ولا تؤخذ من الثمار إلا من التمر والزبيب.
6 -
وعن أحمد: أنها تجب في كل خارج من الأرض ييبس، ويبقى، ويكال. ولا زكاة عنده في سائر الفواكه ولا في الخضر.
وقد رجّح الباحث الفاضل الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه القيم (فقه الزكاة)(1) قول أبي حنيفة وأخذ بالعمومات القرآنية وعمومات الأحاديث القولية.
فلو كان ترك النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً للترك لصحّ قول الظاهرية ولكان الواجب الأخذ به، وانتفت الزكاة في ما عدا الأصناف الأربعة، لكونها لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الزكاة منها.
لكن الجمهور أخذوا بالعموم.
فأبو حنيفة أخذ بعموم: الآيات وعموم "في ما سقت السماء العشر".
والثلاثة عمّموا الحكم بالقياس على المنصوص.
قال ابن قدامة: تجب الزكاة في ما جمع (الكيل، والبقاء، واليبس) من الحبوب والثمار مما ينبته الآدميون، سواء أكان قوتاً أو من القطنيات. ولا تجب في سائر الفواكه ولا في الخضر، لأنه لا نصّ فيها ولا إجماع، ولا هي في معنى المنصوص عليه، فتبقى على الأصل.
(1) 1/ 358
فقد جعل المانع من إيجاب الزكاة في الخضار والفواكه بقاءها على الأصل. وهو شيء آخر غير إدعاء أن ترك النقل نقل للترك.
فنرى أن جمهرة الفقهاء لم يأخذوا بهذه القاعدة في هذه المسألة. وأن المعتمد إما البقاء على الأصل، وإما الخروج عنه بدلالة.
وأما ما قاله ابن القيم من أنه يلزم من عدم القول بهذه القاعدة جواز البدع وفتح بابها، فهو مردود، لأننا إذا ثبتنا على الأصل حتى ينقلنا عنه ناقل صحيح لم يلزم ما قال. فإنّ ما مثّل به لم يرد فيه عموم قولي.
والذي نؤكّده أن النصّ التشريعي إذا كان عاماً فينبغي حمله على عمومه، ما لم يخصَّص بمخصص صحيح، ولا يكفي في التخصيص أن ينقل أنه صلى الله عليه وسلم فعل بعض أفراد ذلك العموم، بدعوى أن ترك النقل نقل للترك في ما سوى ذلك الذي نقل إلينا من فعله.
أما لو نقل أنه ترك بعض أفراد العموم فذلك صالح للتخصيص بلا شك. ولو كان ترك النقل نقلاً للترك لكان القائلون بإيجاب الزكاة في سائر ما يقتات ويدّخر، عاملين على خلاف (المنقول) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك قول مردود على مدّعيه. وقد وجدنا ابن العربي المالكي ذهب إلى هذا الذي قلناه، فقد قال في كتابه أحكام القرآن (1) عند قوله تعالى:{وآتوا حقه يوم حصاده} ما يلي:
"فإن قيل: فلم لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الزكاة من خضر المدينة ولا خيبر؟.
قلنا كذلك قال علماؤنا، وتحقيقه أنه عدم دليل، لا وجود دليل.
فإن قيل: لو أخذها لنقل.
قلنا: وأيُّ حاجة إلى نقله والقرآن يكفي فيه؟ ". اهـ.
فقوله: (والقرآن يكفي فيه) هو ما قلنا من إعمال عموم القرآن. ولا يتوقف على ما نقل الأخذ منه فعلاً.
(1) أحكام القرآن، ط عيسى الحلبي 2/ 752
وأما ما قاله ابن رشد من حمله كلام مالك على مقتضى هذه القاعدة، فغير مسلّم. فإنّ مالكاً قال:"قد فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين بعده، أفسمعت أن أحداً منهم فعل ذلك؟ -يعني سجود الشكر- إذا جاءك مثل هذا مما قد كان للناس، وجرى على أيديهم، لا يسمع عنهم فيه شيء، فعليك بذلك، لأنه لو كان لذكر، لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم فهل سمعت أن أحداً منهم سجد؟ "(1).
فقوله: (لو كان لذكر) فلعله إنما يعني: لذكر قولًا أو فعلاً. إذ لو لم يذكر أصلًا لكان شيئاً من الدين قد ذهب وضاع. فلما لم يرد فيه نصّ قوليّ ولا فعليّ، ولا قياس نصّ، فلا يجوز إثباته بمجرد الهوى، لأن العبادات توقيفية. فليس قول مالك منصّباً على ما وردت فيه عمومات قولية، أو ما يمكن أخذ حكمه بطريق القياس أو غيره. وشبيه بقول مالك في هذا، ما قاله الشافعي في الخارج من غير السبيلين:"إنه ليس من الأحداث، لأن الأحداث مستقصاة في الكتاب والسنة، فلو كان من قبيل الأحداث لذكر في الكتاب أو السنة"(2) والله تعالى أعلى وأعلم.
والذي نراه في قضية ترك النقل، انقسامها إلى أقسام:
الأول: أن يدل على المتروك نقله نصّاً يأمر بالفعل من الكتاب أو السنة، أو يدل على حكمه الإجماع أو القياس. فلا يكون ترك النقل نقلًا للترك. وإن قلنا هو نقل للترك، فينبغي جعله مرجوحاً، وتقدم عليه الأدلة الأربعة المعارضة له.
الثاني: أن يكون المتروك نقله باقياً على حكم الأصل، والأصل عدم المشروعية في العبادة، فترك النقل يؤكّد الأصل ويثبّته.
الثالث: أن يروي الصحابي تفاصيل حادثةً وقعت، مما يتعلق به شرع، ويذكر ذلك على سبيل الاستقصاء، فيظهر أنه لم يغادر من تفاصيلها الرئيسية شيئاً.
(1) الموافقات 2/ 410 وليس المراد هنا بيان حكم سجود الشكر، وإنما المراد القاعدة الأصولية، أما سجود الشكر فهو ثابت بأدلة فعليه. راجع لذلك (أعلام الموقعين) لابن القيم، وغيره.
(2)
نقله السمعاني (البحر المحيط 2/ 259 أ).
ومثّل له السمعاني بنقل قصة رجم ماعز، فقد نقلها الراوي من أولها إلى آخرها، ولم ينقل أنه جَلَدَه، والجَلْد له وزنه في الخبر لو أنه وقع. فترك ذكره دليل على ترك فعله، إذ لو كان لذكر.
قال: وقد يردّ المعترض بأن الجَلّد مع الرجم لا يُتّشَوَّف إلى نقله مع نقل الرجم، فإنه غير محتفَل به. يعني لحقارة شأنه بالإضافة إلى الرجم.
وهذا الردّ اعتراف بصحة القاعدة، وليس إبطالاً لها، وإنما الخلاف في المثال.
ومن هذا النوع عندي ما استدلّ به ابن تيمية من عدم زيارته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لموضع تحنثه في الجاهلية في غار حراء، ولا لغار ثور، لأنه لو فعله لكان ظاهراً، ولرافقوه إليه ونقلوا إلينا ذلك. وكذلك ما استدلَّ به الفقهاء من تركه صلى الله عليه وسلم لتكرار العمرة قبل خروجه إلى عرفات، وبعد أيام التشريق، وفي عمرة القضاء.
الرابع: أن ينقل الراوي الواقعة، ويسكت عن تفصيلٍ يجعل الصورة نادرة، فسكوته يكون حجة على عدم ذلك التفصيل (1). ومثاله ما روي أنه صلى الله عليه وسلم أقاد مسلماً بكافر، وقال:"أنا أحقّ من وفى ذمته"(2)، قال المانعون لقتل المسلم بالكافر: لعلّ قاتلاً قتل كافراً ثم أسلم القاتل، فهذا نادر، وتتشوّف الطباع لنقله، فسكوت الراوي عنه يدل على أنه لم يكن.
وبهذا يتبيّن أن ترك النقل لتفصيل معتادٍ غير نادر، أو ضعيف الأهمية، أو موافق للنصوص المعلومة، لا يدل على نفي وقوعه. ولا أثر لترك نقله في الأحكام. والله أعلم.
(1) السمعاني (البحر المحيط 2/ 259 أ).
(2)
الحديث نقل في بدائع الصنائع (7/ 237) أن محمد بن الحسن رواه بإسناده.