الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس العمل عند التعارض مع الجهل بالترتيب الزّمني
إذا تحقق التعارض وجهل التاريخ امتنع القول بالنسخ كما تقدم، وقد اختلف الأصوليون في ما على المجتهد أن يصنعه حيال ذلك، على مذاهب:
الأول: أنه يقدم القول، لأنه الأصل في البيان، ولأنه أقوى في البيان من الفعل. قال العضد:"ولأن العمل بالقول يبطل مقتضى الفعل في حق الأمة فقط، ويبقى في حقه صلى الله عليه وسلم، والعمل بالفعل يبطل مقتضى القول جملة"(1).
وإنما يرد دليله هذا إذا كان القول خاصاً بالأمة، أما إن كان القول عاماً لنا وله فلا.
وإلى هذا القول ذهب الجصاص (2) والشيرازي والرازي والآمدي وابن حزم وأبو شامة والعلائي وغيرهم.
الثاني: أنه يقدم الفعل، لأنه أقوى في البيان عند من قال به. ولم ينسب هذا القول إلى قائل معين. ونسبه أبو الخطاب في التمهيد (3) إلى بعض الشافعية.
وقد تقدم لنا في الباب الأول ذكر مسألة الوازنة في القوة، بين القول والفعل، وبيّنّا هناك ما استدلّ به كل من الفريقين.
الثالث: الوقف عن الترجيح، وذلك لأن لكل من الطرفين جهة يترجح بها، فيتعادلان. وإليه ذهب الباقلاني والغزالي وابن القشيري (4).
(1) شرح المنتهى 2/ 151
(2)
أصول الجصاص ق 199 أ.
(3)
ق 92
(4)
العلائي: تفصيل الإجمال ص 152 أ، الزركشي: البحر المحيط 2/ 255 ب.
الرابع: التفريق بين أن يكون التقابل في حقه صلى الله عليه وسلم، فيترجح الوقف، وبين أن يكون التقابل في حق الأمة فيترجح العمل بالقول. وإلى هذا ذهب ابن الحاجب والسبكي في جمع الجوامع (1). ووجّه شارحه المحلى هذا التفريق:"بأننا متعبّدون فيما يتعلق بنا بالعلم بحكمه، لنعمل معه، بخلاف ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ لا ضرورة إلى الترجيح فيه".
وهذا المذهب الرابع هو ما نميل إليه، من حيث إن القول هو الأصل في البيان والتبليغ، ولأنه يدل بنفسه على المطلوب، والفعل لا يدل إلاّ بغيره، ولأن القول متفق على دلالته بخلاف الفعل، وإنما اختلف فيه لأنه أضعف دلالة من القول. هذا إن كان التقابل في حق الأمة فيرجّح لأجل العمل.
أما إن كان التقابل في حق النبي صلى الله عليه وسلم فلا حاجة إلى الاجتهاد في ذلك، إذ لا عمل ينبنى عليه، فهي مسألة خارجة عن موضوع علم الفقه، وتدخل في المسائل الاعتقادية، فيما كان يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أو يجب عليه أو يمتنع. والله أعلى وأعلم.
(1) 2/ 101