الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقوبتهم" (1). وروى ابن عباس: "ينظر أعلى بناء في القرية فيرمى به منكّساً ويتبع الحجارة" (2) وأيّد الشوكاني هذه الطريقة في الاستدلال، فقال: "حقيقٌ بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها أحد من العالمين أن يصلى من العقوبة بما يكون في الشدة والشناعة كعقوبتهم".
وقيل إنه كالزنا سواء. وقيل لا حدّ عليه لأنه ليس بزنا، وهو قول أبي حنيفة.
وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة. قال: "إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس"(3). فاستدلّ بكونه تعالى جميلاً يحب الجمال على جواز محبة الجمال ومشروعيته.
قولنا في ذلك:
أما الطريقة الأولى، وهي الاستدلال بالفعل على لازمه، فهي طريق سالكة، لا عوج فيها، وكل ما ذكره الله تعالى في القرآن من قصص الأمم مع أنبيائها، وما فعله الله تعالى بأعداء الأنبياء، فإنما ذكره لنعتبر، فنعلم حرمة ما عاقبهم الله تعالى عليه ونخاف من أن يوقع الله تعالى مثله بنا إن نحن فعلنا مثل فعلهم، لقوله تعالى:{فاعتبروا يا أولي الأبصار} (4).
وأما الطريقة الثانية، وهي أن نفعل مثل فعله، كأن نعاقب اللائط بمثل ما عاقبه تعالى به، فهو باب واسع، لو كان حجّة للزم تتبع جزاءاته تعالى للمحسنين في الدنيا والآخرة، والعمل على نمطها. وكذلك عقوباته للعاصين. وللزم مثل ذلك، سواء ذكر في القرآن، أو شاهده الناس عياناً، أو علم بطريق ما. وذلك
(1) ابن قدامة: المغني 8/ 188
(2)
رواه البيهقي (نيل الأوطار 7/ 123)
(3)
رواه مسلم 2/ 89
(4)
سورة الحشر: آية 2
شيء لا ينضبط. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التعذيب بالنار. وقال: "لا تعذّبوا بعذاب الله"(1). فهذا نهي مصادم لهذا النوع من الاستدلال.
ومثله فرار الحجر بثوب موسى حتى رؤي عرياناً، فلا يجوز أن يستدل به على جواز تعرية الرجل لتبرئته مما يُنْبَزُ به. والله تعالى يفعل ما يشاء.
فالذي نراه أن هذا النوع من الاستدلال باطل.
ونستثني من ذلك أموراً:
الأول: أن نحب ما أحب الله تعالى، وأن نكره ما يكره. فإنه تعالى لا يحب إلّا ما هو خير وحق، ولا يكره إلا ما هو باطل وإثم. وإنما يحصل لنا العلم بما يحبه الله ويكرهه بالشرع من الكتاب أو السنة. وفي الحديث، ينادي جبريل:"إن الله يحب فلاناً فأحبوه"(2). وفي الحديث الآخر: "نحب بحبّك من أحبك، ونعادي بعداوتك من عاداك"(3).
الثاني: بعض ما يتردد بين الحسن والقبح إذا ورد أنه تعالى يفعله، يعلم أنه حسن وإن كان يتوهم فيه النقص، ويكون فعله تعالى دليلاً على أنه لا نقص فيه، وذلك كقوله تعالى:{والله لا يستحيي من الحق} (4) يدل على جواز مباشرة العمل إذا كان حقاً ولا يمنع الحياء من ذلك.
وكاستدراجه لأعدائه، ومكره بالماكرين، وكيده للكائدين (5) ولعنه للكافرين، فكل ذلك جائز بدلالة فعله تعالى.
الثالث: ما ظهر لنا حسنه ولم يعارضه دليل شرعي، كقوله تعالى؛ {ويؤتِ كلَّ ذي فضل فضله} يصحّ الاحتجاج به على استحباب إنزال أهل الكفاءات في منازلهم، والإكثار من الخير للناس بقدر أعمالهم، ونقض طريقة المساواة بين الناس مع تفاوت فضائلهم وأفعالهم. وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر كُتب
(1) أحمد 1/ 217
(2)
البخاري 6/ 303
(3)
الترمذي 9/ 370 من حديث طويل. وقال: غريب.
(4)
سورة الأحزاب: آية 53
(5)
انظر أعلام الموقعين 3/ 231