الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعلى الأول تكون رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أنه يفعل فعلاً: أمراً له بالوحي، أن يفعل ذلك الشيء. وقد يكون وعداً بتحقيق ذلك وبشارةً به.
فمثال ما هو أمر ما في حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت في المنام أني أهاجر إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي يثرب"(1).
ومثال الرؤيا التي هي وعد وبشرى: ما روى الطبري عن ابن عباس في تفسيره قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس} (2) قال: "يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أُري أنه دخل مكة هو وأصحابه وهو يومئذٍ بالمدينة. فعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة قبل الأجل، فردّه المشركون. فقال أناس: قد رُدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان حدّثنا أنه سيدخلها. فكانت رجعته فتنتهم"(3). اهـ.
ثم كان تأويل رؤياه تلك، عمرة القضاء في السنة التالية.
وقد تكون رؤياه خبراً عن حكم شرعي، كرؤيته صلى الله عليه وسلم ليلة القدر أنها في إحدى العشر الأواخر من رمضان ثم أنسيها.
المطلب الثاني من رأى في المنام النبي صلى الله عليه وسلم يفعل
عقد البخاري في كتاب التعبير من صحيحه، باباً بعنوان (من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام) فذكر فيه حديثاً بألفاظ مختلفة. منها رواية أنس رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثّل بي". ورواية أبي سعيد: "من رآني فقد رأى الحقّ، فإن الشيطان لا يتكوّنني".
(1) البخاري 6/ 627 ورواه مسلم.
(2)
تفسير الطبري. ط مصطفى الحلبي 1373هـ - 15/ 112
(3)
سورة الإسراء: آية 60
وذكر ابن حجر في تفسير هذا الحديث أقوالاً مختلفة، ثم قال:"قال القرطبي والصحيح في تأويله أن مقصوده أن رؤيته في كل حال ليست باطلة، ولا أضغاثاً، بل هي حق في نفسها. ولو رؤي على غير صورته، فتصوُّرُ تلك الصورة ليس من الشيطان، بل هو من قبل الله، وقال: هذا قول القاضي أبي بكر"(1). اهـ.
ثم قد قال ابن أبي جمرة: "قيل: معناه أن الشيطان لا يتصوّر بصورته أصلاً، فمن رآه في صورة حسنة، فذلك حسن في دين الرائي، وإن كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص فذلك خلل في الرائي من جهة الدين. قال: وهذا هو الحق. فعلى قول القرطبي وابن أبي جمرة، كل رؤية له صلى الله عليه وسلم المنام فهي حق"(2).
أما القرافي فقد قال: "إنما تصح رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لأحد رجلين"(3):
1 -
صحابي رآه فعلم صفته، فانطبع في نفسه مثاله، فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من الشيطان، فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته صلى الله عليه وسلم.
2 -
ورجل تكرّر عليه بسماع صفاته صلى الله عليه وسلم المنقولة في الكتب حتى انطبعت في نفسه صفته صلى الله عليه وسلم ومثاله المعصوم. فإذا رآه جزم برؤية مثاله، كما يجزم به من رآه، فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته صلى الله عليه وسلم.
وأما غير هذين فلا يحصل له الجزم. بل يجوز أن يكون رآه بمثاله، ويحتمل أن يكون من تخييل الشيطان. ولا يفيد قول المرئي لمن رآه: أنا رسول الله، ولا قول من يحضر معه: هذا رسول الله. لأن الشيطان يكذب لنفسه ويكذب لغيره، فلا يحصل الجزم". اهـ.
وهذا التحقيق موافق لما روي عن ابن سيرين: "أنه كان إذا قصّ عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: صف لي الذي رأيته. فإن وصف له صفة لا يعرفها، قال له: لم تره"(4).
(1) فتح الباري 12/ 386
(2)
المصدر نفسه 12/ 391
(3)
الفروق 4/ 244
(4)
أصله عند البخاري تعليقاً 12/ 383