الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني الشمائل النفسيّة (الأخلاق)
الخلق ملكة تصدر عنها الأفعال بلا رويّة (1).
والأخلاق التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم جَبَله الله تعالى عليها، ولذلك لم تكن محلاً للتكليف، لأن التكليف بالمقدور، والجبليّ ليس مقدوراً.
ويقول ابن عبد السلام: "كل صفة جبلية لا كسب للمرء فيها كحسن الصور، واعتدال القامات، وحسن الأخلاق، والشجاعة، والجود، والحياء والغيرة، والنخوة، وشدة البطش، ونفوذ الحواس، ووفور العقل، فهذا لا ثواب عليه، مع فضله وشرفه، لأنه ليس بكسب لمن اتّصف به. وإنما الثواب والعقاب على ثمراته المكتسبة"(2).
فالأفعال الصادرة عن هذه الصفات، يمكن أن تكون موضع قدوة. وقد بيّنا ما يقتدي به من ذلك في هذه الرسالة. لكن المقصود هنا البحث في أن صفاته صلى الله عليه وسلم نفسها. هل تكون موضع قدوة؟.
ومقصودنا بذلك: هل نحن مكلّفون بتحصيل أمثال تلك الأخلاق العالية التي كان عليها صلى الله عليه وسلم؟.
إن ما تقدم نقله عن عز الدين بن عبد السلام، يفهم منه أن التكليف لا يتعلق بتلك الصفات أصلاً.
ولكن الذي أثبته علم النفس وعُرف بالتجارب، أن كثيراً من الصفات
(1) شرح المواقف 6/ 129
(2)
قواعد الأحكام 1/ 117
النفسية يمكن تحصيلها بالدُّربة والتعلم والتخلّق. فالجود والشجاعة والحياء والغيرة والنخوة وشدة البطش واللطف والعنف، ونحو ذلك، وإن كان بعضها جبلياً، كما يلاحظ في الفروق بين الأطفال، إلا أن المران والتعليم والتدريب العملي، كافية لإحيائها في النفوس، أو تعديلها إن كانت موجودة على وضع منحرف. والنفوس بطبعها مجبولة على تقبّل ذلك التعليم. وكما هو ملاحظ في التدريب البدنيّ العضليّ أنه يكسب العضلات قوة ومتانة، ويعطيها استعداداً لمواجهة الأمور الحيويّة بكفاءة أكثر، فكذلك القوى النفسية، هي مهيأة لذلك. فإن اعتنُي بها نبتت ونمت، وإلاّ ضعفت وماتت. وفي حديث أبي سعيد:"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشَجّ عبد القيس: إن فيك خصلتين يحبّهما الله: الحلم والأناة. قال: يا رسول الله، أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما"(1). فإن جواب النبي صلى الله عليه وسلم يفهم منه أن هاتين الخصلتين يمكن أن يتخلق الإنسان بهما.
وربما كان مقصود ابن عبد السلام ما ذكره الشاطبي من أن الصفة، كالعلم، وإن لم تكن مكتسبة، إلا أن مقدماتها التي تنتجها، كالنظر والبحث يمكن أن تكون مكتسبة.
فهذا يمكن أن يسلّم.
ونبني عليه فنقول: إن أخلاقه صلى الله عليه وسلم قد أثنى الله تعالى عليها بقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم} (2)، وكثير منها لم يكن سعى لتحصيله، بل جبله الله تعالى عليه. فالاقتداء به ليس من قبيل الاقتداء بالفعل، وهو مع ذلك مطلوب بأن يتخلق المسلم بما كان خلقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كالجود والحياء والشجاعة.
ودليل طلبها، ما ذكرته من ثناء الله تعالى على خلقه، فهو تنبيه على التخلق بمثله. ومن أدلته أيضاً قوله تعالى:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} فإنها في كل شؤونه صلى الله عليه وسلم، لا في أفعاله خاصة.
(1) أبو داود 14/ 136 وهذا لفظه وأصله عند مسلم 1/ 192 والقصة بأتم من ذلك في مسند أحمد 4/ 206
(2)
سورة القلم: آية 5